محمد حمدي
منذ سنوات طويلة والى اليوم نصرُّ على مخالفة نظرية التجربة والخبرة والبُرهان على صحّتها، ونمضي نحو الوقوع بذات الخطأ دون الاكتراث للنتائج المتشابهة التي حلّت بساحتنا!
لا أعتقد اليوم أن أي أحّد من المتابعين سواء فنيين أم إعلام رياضي أم جمهور لم يكتوِ بنار الجدل حول أهمية وجود المدرب الأجنبي على رأس الملاك الفني للمنتخب الوطني، وهو اختزال ظالِم ومُجحف بحقّ مشاكل هائلة تجتاح الكرة العراقية من جميع جوانبها، وما المنتخب الوطني إلا أصغر الأجزاء من هذه المنظومة.
يتحدّثون عن التسمية والاسم والدولة الأم للمدرب، ويتناسون أن الوسط والظروف مجتمعة للمدرب الأجنبي - أياً كان شكله - سوف لن تختلف عن سابقه، فالظروف كما هي، وعُقدة عدم التواجد في بغداد مستمرّة، والمناورة بين اللاعب المحلّي والمحترف المُغترب هي جدلية قائمة أيضاً، والتدخّلات من خلف الجدار لم تكفَّ، ولن يُكتب للواقع أي تغيير قريب.
نُثمِّن الخبرة والكفاءة والحسّ والفكر التدريبي والتحليلي للعاملين في لجنة الخبراء التي اختار أعضاؤها اتحاد كرة القدم، ونرى وجوباً أن تحظى اللجنة بتأييد كل الجهات والمؤسّسات الرياضية ولا تسمح لأية جهة بتمرير أي قرار وشرط عليها.
ندرك تماماً أن واحدة من أهم واجبات لجنة الخبراء هي اختيار المدرب الأجنبي أو المحلي للمنتخب الوطني، والحقيقة إننا تأخرنا كثيراً في اختبار فلسفة وفكر المدرب المؤهّل والقادر على قيادة كرتنا ورحنا نلهث عن جنسيته وشهرته، دفعنا ثمن عشوائيّتنا وعدم وضوحنا غالياً وتبدّدت أحلام التواجد في المونديال من جرّاء عدم الموضوعية في اختيار مدربينا بصورة غير عملية وغير مهنية ولا تستند الى مبادئ وقيم وأسس تدريبية ومعايير الكفاءة والشخصيّة المؤهّلة والمؤثرة لقيادة كرتنا لوضع ستراتيجية لها وليس المنتخب تحديداً.
إن تواجد المدرب الأجنبي أو المحلي مهما كانت كفاءتهما لن تكون مُجدية من دون خطّة متكاملة للعمل وتخطيط سليم لا يبحث عن النتائج بين ليلة وضحاها فقط، هذه المشكلة التي نكتوي بها في كل بطولة ومشاركة مهمة لا نريد أن نعترف بها، ونبقى نلهث خلف اسماء سحرية لعلّها تقلب المستحيل الى حقيقة، ولنا في تجربة أدفوكات أكبر دليل على ذلك، وما تبعه من تجربة للبديل الثالث المحلي عبد الغني شهد أيضاً الذي تسلّم مهمّة مدرب طواريء كما فعلها قبله راضي شنيشل ويحيى علوان وحكيم شاكر ونزار أشرف وغيرهم.
إن مناسبة الحديث أو التذكير إن صحّ القول، هو عودة الأقوال الى المربّع الأول كما يقال وإعلان لجنة الخبراء بدء البحث عن المدرب الأجنبي الجديد للأسود الجريحة يكون مناسباً لهم في جميع المتطلّبات وأوّلها أن لا يتجاوز عُمره خمسين عاماً، ويحظى بسُمعة جيّدة، ويقبل التواجد في بغداد تحت أي ظرف، ولو تتبّعنا هذا الحديث بدقّة سنراه مُكرّراً ومُعاداً بالتفصيل في كلّ مناسبة سابقة، ولكن الاقتراح والمناقشة للجنة المستشارين شيء وما يجري على أرض الواقع شيء آخر.
نمتلك ناصية الوقت، ولدينا فترة مناسبة للعمل والاختيار بدقة، ولكنّنا نمتلك أيضاً عتمة الروتين والعمل الإداري المقيت والمملّ الذي سيتسبّب في خسارتنا كل شيء، وكان الأجدر اصلاح منظومة الإدارة والعلاقات العامة والتواصل أولاً وتشذيب الاتحاد من الطارئين والمطبّلين لأنفسهم إذ ستعود الكرة في ملعبهم كلما خسرنا الوقت، ولن تكون هناك حلول مجدية للاختيار طالما كانت الانفاس تسير بمسيرة تاريخية مُجرّبة ومعروفة جداً، وكأننا نستعيد حلقات مُسلسل قديم مليء بالأحداث المُفجعة!