TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > إيران.. إلـى أين؟

إيران.. إلـى أين؟

نشر في: 29 يونيو, 2010: 04:23 م

جمال جصاني    بعد آخر ثورة شعبية في القرن العشرين، أجبرت (ملك الملوك) لان ينضم إلى قائمة المشردين وطالبي اللجوء الإنساني، آثرت الأقدار إلا ان تكون بلاد فارس، أنبوباً لتخصيب أول جمهورية إسلامية بعد مرور أكثر من أربعة عشر قرناً من فتح مكة.
تجربة احتشدت فيها كل أرواح الأسلاف، وأطياف متعددة ومتباينة من قعر الموروثات المتخمة بالأوهام المجهضة. خلطة تلفيقية ما كان لها إلا أن تنتهي إلى ذات المطاف والنهايات التي آلت إليها الثورات التي منحت روحها وجسدها رهينة لنزوات (الشعار). ذلك الفخ الذي تدحرجت إليه مصائر غير القليل من الشعوب والأمم، حيث تمزق (الشعارات) كفن اللافتات لتتحول إلى قوة كاسحة، لتنتزع زمام المبادرة من مطلقيها، الذين يصبحون لا عاجزين عن مواجهتها وحسب بل يتحولون هم أنفسهم إلى دمية لاحول لها ولا قوة. وهذه التراجيديا الموجعة نشاهدها اليوم في بلاد فارس، حيث تورمت فيها الشعارات من نسيج (مرك بر أمريكا) أي الموت لأمريكا، إلى مستوى النصوص المقدسة.في تاريخ الثورات العديد من الأمثلة عن مثل تلك الشعارات، التي انبثقت استجابة لظرف ما وفي زمان ومكان ما، غير إنها تواصلت وازدادت غطرسة رغم زوال مسببات وجودها وظهورها. ولا يحتاج المتابع إلى جهد كبير لتلمس نفوذ وسطوة مثل هذه (الشعارات- الكارثة) عند منحنيات الخطاب الرسمي لإيران اليوم، والتي يعتقد ربابنتها بأنهم قد شيدوا أعظم ديمقراطية على سطح قريتنا الكونية. وبالمقابل يعدون خصومهم رموزاً لأبشع الدكتاتوريات وملاذاً لأكبر الشياطين...!ان العبودية المطلقة لشعارات حالة (ثورية ما) قد ورطت غير القليل من المجتمعات والأمم، التي كان بإمكانها طرق دروب اخرى لا تكلفهم مثل هذه الفواتير الباهظة، حيث تلتهم السلالات الجديدة (الأشد إيماناً) شيوخ التجربة ورموزها على خارطة البورصة الثورية التي مهد لها الأسلاف. وما المشاهد الأخيرة للحشود التي هاجمت احد ابرز تلاميذ آية الله الخميني في مدينة قم (الشيخ كروبي) تحت شعار (مرك بر منافق) إلا دليل صارخ على مستوى الغيبوبة والديماغوجية السائدة بين قطاعات واسعة من المجتمع الإيراني، وهي مؤشر واضح على اختفاء المعايير المتوازنة والحكمة في إدارة الصراع وتنظيمه بما يخدم البلاد والعباد.ان سياسة الهرولة إلى الأمام لن تجدي نفعاً، في مواجهة المأزق الحالي الذي انحدر إلى متاهاته نظام الجمهورية الإسلامية في إيران، بعد إجراء آخر انتخابات رئاسية أعلن فيها عن فوز الرئيس الحالي السيد محمود احمدي نجاد. فحصاد مثل هذه السياسات، لا يحتاج إلى جهد كبير لاكتشافه، ما عليهم سوى الانضمام إلى القوافل التي تزور مراقد الأئمة في النجف وكربلاء وغيرها من المدن العراقية، ليشاهدوا حجم الخراب والدمار الذي خلفته مثل تلك السياسات (العنترية) التي دعت المغول للانتحار عند أسوار (البستان)...!إيران تواجه اليوم المزيد من العقوبات والعزلة الدولية، ولن تثمر استثماراتها في حقول اللافتات الشعبوية والبنادق المأجورة ومعاداة (الامبريالية) و....أكثر مما حصده (حارس البوابة الشرقية) في مزارع اريتريا والصومال وجيش القدس.... كما ان من الصعوبة ان نجد من بمقدوره ان يتخيل إيران وقد تجاوزت ما حققه الاتحاد السوفيتي السابق في مجال التكنولوجيا والأسلحة النووية، والتي تحولت اليوم إلى وبال ومحنة تحتاج إلى ميزانيات خيالية من اجل تفكيكها ومحاصرة عواقبها الكارثية.ان افتعال الخصومات الخارجية لتبرير الانتهاكات وقمع كل أشكال المعارضة الداخلية تحت يافطة (الخطر الخارجي) أمر لم تحصد الشعوب منه سوى الخيبة والمرارة. وما العقوبات الأممية المتزايدة التي بدأت آثارها تتسلل إلى حياة المواطن الإيراني إلا أول الغيث لمثل هذه السياسات البعيدة عن الحكمة والمسؤولية، والتي انعكست على الحياة العامة والحريات بالمزيد من التضييق على ما تبقى من أشكال محدودة لحرية الرأي والنشاط (المستقل) حيث أغلقت العشرات من الصحف والمطبوعات، التي عدتها الرقابة الرسمية بانها غير موالية لنهج الولي الفقيه، كما لم تسلم المواقع والمنابر على الشبكة العنكبوتية (ألنت) من تلك الحملات الشعواء.ان منهج القوة المفرطة والقمع وعدم الاعتراف بالآخر؛ لن يفضي إلى ازدهار الأوطان ورقيها، ولن يجدي نفعاً إشهار تلك الذريعة البائسة (الدفاع عن الثورة وخط الإمام) في التصدي للمخاطر المتعاظمة والتحديات الجديدة.في بداية القرن المنصرم، كانت (المشروطة) الانبثاقة التي اكتنزت الإرهاصات الأولى للنهوض بالمجتمع الإيراني والتعرف على خيارات التنوير والتجدد. واليوم يقف الإيرانيون مجدداً أمام مفترق الطرق. فهل ستنتصر الحكمة والمسؤولية ودروس التجارب المريرة، أم ستمنح الأقدار الفرصة والمزيد من الوقت للسياسات المغامرة...؟هذا ما ستجيب عليه التطورات القريبة القادمة.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram