TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > قناطر: عوق في الثقافة العراقية

قناطر: عوق في الثقافة العراقية

نشر في: 19 إبريل, 2022: 11:33 م

طالب عبد العزيز

تمتلئ صفحات الفيسبوك والمواقع الاخرى بعشرات ومئات بطاقات التعزية حال موت أحد الادباء أو الفنانين، وهو أمر حسن، يعبّر عن تأثرنا بالفقد، الذي أحدثه الموت في بنية الثقافة، وفقد شخصية أدبية ثقافية لهو ثلم وهدم في الروح الانسانية، المتطلعة بطبيعتها للفن والفكر وقيم الجمال، لكنَّ الامر للاسف لا يتخطى ذلك، فيسيُنسى الشخص المفقود، على جلالة قدره، وأهميته في بحر أسابيع وأشهر قادمة، لينشغل محبّوه وعشاقه بما بين ايديهم من المشاغل التي لا تكاد تبارح احداً، فالثقافة في حياتنا نفل وتزجية لا أكثر.

وبرأيي، فالاحتفاء داخل الوسط المثقف ذاك لا يتجاوز الحدود الاجتماعية إلا نادراً، وربما تخطاه عند البعض من العامة فأصبح ظاهرةً استعراضية، إذ أنَّ نسبة كبيرة من أبناء العرب والعراقيين لم يقرأوا بيتا واحداً من شعر الجواهري، على سبيل المثال، وفيهم من لم يسمع به ربما لكننا، نقرأ في صفحاتهم ما يعظّم من شأنه، ويرفع من قيمته، في فعل هو من أفعال الحياة الأخرى، وكذلك نجد الحال عند سواهم في موت الاخرين، هناك رغبة بالظهور تُستثمر في مناسبات كهذه، ليقال عنه بأنه قارئ ومثقف.وهكذا، باتت الثقافة وشخوصها عند البعض مادة تصلح للوجاهة واستعراض، حتى ليبدو الامر برمته محصوراً في الدائرة (الضيقة- الواسعة)هذه باستثناء قلة قليلة، معنية بأثر وقيمة الفقيد.

الشعبوية(الطشة) بتعبير الشارع العراقي، اليوم بلغت انحطاطها في الوسط المثقف، فخلع الالقاب، والتمجيد الفارغ، والصعود بالشخصية الى مراتب عالية، والمبالغة في الاهمية لم يعد تعبيراً عن الحقيقة، لكأنه لا تتجاوز العبارة التقليدية (اذكروا محاسن موتاكم) وما هذا من الثقافة بشيء، إنْ لم يكن الاساءة بعينها. علينا مكاشفة بعضنا بوضع ثقافتنا ورموزها منازلهم التي يستحقونها، وما في ذلك اساءة لأحد، أو لنكرم انفسنا بالصمت، فهو الحد الفاصل بين الكذب والنفاق. وليس عيبا أن نقول بانَّ شاعراً كبيراً مثل سعدي يوسف، أو حسب الشيخ جعفر أو روائياً مثل فؤاد التكرلي أو غائب طعمة فرمان أو فنانا مثل جواد سليم وفائق حسن ولك أنْ تسمي من تشاء هنا لا يعرفهم أكثر من خمسة آلاف عراقي، ليس بينهم أكثر من 5‌% ممن يعرفه على حقيقتهم، ويبجلهم على اساس أهميتهم، وبوصفهم رموزاً ثقافيةً.

لننظر الى الصور المنتشرة في التقاطعات داخل وخارج مدننا، ولنعاين البنادق والرشاشات المحمولة، ولنقرأ الشعارات، واسماء الشوارع والمدارس الجديدة ووو هل بينهم ما يمتُّ للثقافة ورموزها بشيء؟ أللجواهري وسعدي وجواد سليم والتكرلي.. وو نصيب في ذلك؟ ولننصت الى محطات الراديو والتلفزيون ومقاطع الصوت التي تعج بها صفحات الفيسبوك والوسائط الاخرى هل بينهم من يذكر هؤلاء بشيء؟ علينا أن نعترف بأنَّ (فنانة) لم يمض على ظهورها أكثر من سنة تحظى بعناية الجمهور أكثر من أيِّ واحد ممن ذكرنا،لا لشيء إلا لأنها ركلت أحدهم لتظهر فخذها الجميل.

ما الذي فعلته الدولة للأسماء التي نجلها ونبكي لفقدها اليوم؟ طبعت أعمالهم الكاملة؟ طيب. ترى كم عدد الذي سيقرأونها؟ خمسة آلاف، عشرة آلاف؟ هل كتب هؤلاء أعمالهم لكي تطبع وتقرأ أم لكي تفعل فعلها في حياتنا؟ ولتسهم اسهامة جادة في تغيير انساننا والارتقاء به؟ الدولة والحكومة ونحن العراقيين نعاني من عوق ثقافي، علينا الاعتراف به.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

العمودالثامن: برلمان كولومبيا يسخر منا

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

باليت المدى: أسد عراقي في متحف

العمود الثامن: الداخلية وقرارات قرقوشية !!

 علي حسين ما معنى أن تتفرغ وزارة الداخلية لملاحقة النوادي الاجتماعية بقرارات " قرقوشية " ، وترسل قواتها المدججة لمطاردة من تسول له نفسه الاقتراب من محلات بيع الخمور، في الوقت نفسه لا...
علي حسين

مصير الأقصى: في قراءة ألكسندر دوجين لنتائج القمة العربية / الإسلامية بالرياض

د. فالح الحمــراني يتمحور فكر الكسندر دوغين الفيلسوف السوفيتي/ الروسي وعالم سياسي وعالم اجتماع والشخصية الاجتماعية، حول إنشاء قوة أوراسية عظمى من خلال اتحاد روسيا والجمهوريات السوفيتية السابقة في اتحاد أوراسي جديد ليكون محط جذب لدائرة واسعة من...
د. فالح الحمراني

السرد وأفق الإدراك التاريخي

إسماعيل نوري الربيعي جاك لوغوف في كتابه "التاريخ والذاكرة" يكرس الكثير من الجهد سعيا نحول تفحص العلاقة المعقدة، القائمة بين الوعي التاريخي والذاكرة الجماعية. وقد مثل هذا المنجز الفكري، مساهمة مهمة في الكتابة التاريخية،...
إسماعيل نوري الربيعي

هل يجب علينا استعمار الفضاء؟

توماس ليبلتييه ترجمة: عدوية الهلالي بالنسبة للبعض، تعتبر الرغبة في استعمار الفضاء مشروعًا مجنونًا ويجب أن يكون مجرد خيال علمي. وبالنسبة للآخرين، فإنه على العكس من ذلك التزام أخلاقي بإنقاذ البشرية من نهاية لا...
توماس ليبلتييه
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram