طالب عبد العزيز
تمتلئ صفحات الفيسبوك والمواقع الاخرى بعشرات ومئات بطاقات التعزية حال موت أحد الادباء أو الفنانين، وهو أمر حسن، يعبّر عن تأثرنا بالفقد، الذي أحدثه الموت في بنية الثقافة، وفقد شخصية أدبية ثقافية لهو ثلم وهدم في الروح الانسانية، المتطلعة بطبيعتها للفن والفكر وقيم الجمال، لكنَّ الامر للاسف لا يتخطى ذلك، فيسيُنسى الشخص المفقود، على جلالة قدره، وأهميته في بحر أسابيع وأشهر قادمة، لينشغل محبّوه وعشاقه بما بين ايديهم من المشاغل التي لا تكاد تبارح احداً، فالثقافة في حياتنا نفل وتزجية لا أكثر.
وبرأيي، فالاحتفاء داخل الوسط المثقف ذاك لا يتجاوز الحدود الاجتماعية إلا نادراً، وربما تخطاه عند البعض من العامة فأصبح ظاهرةً استعراضية، إذ أنَّ نسبة كبيرة من أبناء العرب والعراقيين لم يقرأوا بيتا واحداً من شعر الجواهري، على سبيل المثال، وفيهم من لم يسمع به ربما لكننا، نقرأ في صفحاتهم ما يعظّم من شأنه، ويرفع من قيمته، في فعل هو من أفعال الحياة الأخرى، وكذلك نجد الحال عند سواهم في موت الاخرين، هناك رغبة بالظهور تُستثمر في مناسبات كهذه، ليقال عنه بأنه قارئ ومثقف.وهكذا، باتت الثقافة وشخوصها عند البعض مادة تصلح للوجاهة واستعراض، حتى ليبدو الامر برمته محصوراً في الدائرة (الضيقة- الواسعة)هذه باستثناء قلة قليلة، معنية بأثر وقيمة الفقيد.
الشعبوية(الطشة) بتعبير الشارع العراقي، اليوم بلغت انحطاطها في الوسط المثقف، فخلع الالقاب، والتمجيد الفارغ، والصعود بالشخصية الى مراتب عالية، والمبالغة في الاهمية لم يعد تعبيراً عن الحقيقة، لكأنه لا تتجاوز العبارة التقليدية (اذكروا محاسن موتاكم) وما هذا من الثقافة بشيء، إنْ لم يكن الاساءة بعينها. علينا مكاشفة بعضنا بوضع ثقافتنا ورموزها منازلهم التي يستحقونها، وما في ذلك اساءة لأحد، أو لنكرم انفسنا بالصمت، فهو الحد الفاصل بين الكذب والنفاق. وليس عيبا أن نقول بانَّ شاعراً كبيراً مثل سعدي يوسف، أو حسب الشيخ جعفر أو روائياً مثل فؤاد التكرلي أو غائب طعمة فرمان أو فنانا مثل جواد سليم وفائق حسن ولك أنْ تسمي من تشاء هنا لا يعرفهم أكثر من خمسة آلاف عراقي، ليس بينهم أكثر من 5% ممن يعرفه على حقيقتهم، ويبجلهم على اساس أهميتهم، وبوصفهم رموزاً ثقافيةً.
لننظر الى الصور المنتشرة في التقاطعات داخل وخارج مدننا، ولنعاين البنادق والرشاشات المحمولة، ولنقرأ الشعارات، واسماء الشوارع والمدارس الجديدة ووو هل بينهم ما يمتُّ للثقافة ورموزها بشيء؟ أللجواهري وسعدي وجواد سليم والتكرلي.. وو نصيب في ذلك؟ ولننصت الى محطات الراديو والتلفزيون ومقاطع الصوت التي تعج بها صفحات الفيسبوك والوسائط الاخرى هل بينهم من يذكر هؤلاء بشيء؟ علينا أن نعترف بأنَّ (فنانة) لم يمض على ظهورها أكثر من سنة تحظى بعناية الجمهور أكثر من أيِّ واحد ممن ذكرنا،لا لشيء إلا لأنها ركلت أحدهم لتظهر فخذها الجميل.
ما الذي فعلته الدولة للأسماء التي نجلها ونبكي لفقدها اليوم؟ طبعت أعمالهم الكاملة؟ طيب. ترى كم عدد الذي سيقرأونها؟ خمسة آلاف، عشرة آلاف؟ هل كتب هؤلاء أعمالهم لكي تطبع وتقرأ أم لكي تفعل فعلها في حياتنا؟ ولتسهم اسهامة جادة في تغيير انساننا والارتقاء به؟ الدولة والحكومة ونحن العراقيين نعاني من عوق ثقافي، علينا الاعتراف به.