TOP

جريدة المدى > المنتدى العام > عن صديقي رياض قاسم وعني.. وعن هذا وذاك

عن صديقي رياض قاسم وعني.. وعن هذا وذاك

نشر في: 29 يونيو, 2010: 04:26 م

سهيل سامي نادرفي عام 1961 او العام الذي تلاه اعتقل رياض قاسم في موقف خلف السدة بتهمة خروجه بتظاهرة ضد سياسة عبد الكريم قاسم. حقيقة انني نسيت الكثير من تفاصيل ذلك الحدث، لكنه مؤكد. اعترف انني حزين لانني نسيت مادة هائلة من الذكريات والاحداث التي تربطني برياض قاسم طوال 50 عاما. انا المعروف بالنسيان بت افسر نسياني بشعوري الدائم بانني مطرود ومطارد وان لا امل لتصحيح هذا الوضع. العراق السياسي طارد وشغوف بالطراد .
 نحن الطرائد، الغزلان ، الابرياء، سريعا ما نسقط في لحظات الصيد الجائر ليس السياسيون عندنا وحدهم من يمارس دور الصياد بل الوضعيات السياسية المأزومة التي تقفز على رؤوسنا فجأة. اكثرية السياسيين العراقيين من الطراز الجديد يفتتحون تاريخهم بحماية أنفسهم من عدو ما ، واول ما يخطر في بالهم هو ان يتحولوا الى رجال امن . والغريب انه في الطريق الى ان يكونوا انذالا غير قابلين للشفاء يكونون قد حطموا عددا من العوائل البريئة. إذن فكرت على هذا النحو: علام يشغل المرء نفسه بالبديهيات؟ علام نسجل دفقا متلاحقا من الاعتداء على حرياتنا الشخصية إذا لم نكن نمتلك القدرة على تغيير مصائرنا؟ لقد استقبلنا دائما لامعقولات السلطة بضرب من اللامبالاة وعدم التدقيق بالتفاصيل . قبل ذلك اعتدنا ان نصفع من دون ان نرد. الآباء والامهات والمعلمون ومدراء المدارس والتقدميون التموزيون والشرطة والاشقياء ، ولكل اسبابه ، علمونا الجبن والخوف وطمر ذكريات الاهانات التي الحقت بنا في لاشعور لم يختبره فرويد نفسه. عندما حلّ الفاشيون كنا قد اصبحنا (مكفخة) حقيقة ـ واصلين الى سن الزواج ومسؤوليات الابوة والانزواء في زواغير المقاهي والمشارب ، دافنين رؤوسنا في كتب الحرية التي جعلتنا حساسين واذكياء ومرضى بالكآبة . .. وتلومونني، ضاحكين، على نسياني ، وعلى استنجادي المثير للشفقة بأصحاب الذاكرة؟ لم لم تصبحوا مثلي مهملين؟ نعم ، اجرؤ على لومكم ايها الشجعان ، وكما ترون ، فقد فات الاوان عليّ وعليكم ، ولسوف لن نستمتع بانجازات الجمهورية على مستوى الحرية الا في القبور . اضحكوا . ثمة تلازم بين ضحكي ونسياني.آه .. بالطبع بالطبع ..نسيت الربّاط .. ارى وجه المرحوم سامي محمد وهو يعنفني ويصيح بأعلى صوته : اين الربّاط ؟ أي عمر هذا! انا ضائع وانت تضيعني!ولكن يا سامي اعذرني أنا عجوز خرف وفي طريقي الى الالتحاق بك. انا مثل رياض قاسم المصاب بالسكري والنقرس وهشاشة العظام ومشاكل البنات والاحفاد. هو دخل التوقيف وانا هربت من الايام بطريقة ميلودرامية. منذ أن استعجلت المسرة أنت ونحن نفكر بك كحائز على جائزة.   أين وصلنا يا جماعة؟ زرت رياض قاسم في موقف خلف السدة اذن ، كان في حيوية سجين سياسي من تلك الايام ، مع انه لم يكن سياسيا ولا علاقة له بالمظاهرات . حيوية تنتقل بعدوى سنوات الستينيات الشبابية . ومن المؤكد كان رياض قاسم يضيف اليها ارتفاع الصوت والمزاح الدائم وروح الجدل. كان هو والمرحومان منعم حسن وقتيبة عبد الله مع جمهرة من الشبان يشكلون ما كان يطلق عليهم في منتصف الستينيات بالوجوديين. وحقيقة الامر لم يكونوا وجوديين الا بالمعنى التي يقول فيها مراهق لأبيه عاصيا أمره أنه حر ! الباقي ، والحقيقي حقا ، انهم كانوا يستمتعون بشبابهم ويجربون بعض مذاقات الحياة والحرية.   لم نتحدث في السياسة بل عما يجري في الخارج ، والحقيقة انني اشغلت نفسي بتخيل حضوري في نفس تلك الساحة موقوفا يستقبل صديقا . ان اتجاهي الفينومينولوجي (لو كان رياض قاسم حاضرا الان لقص عليكم قصة تموّت من الضحك عما جرى لي بسبب هذه الكلمة) القائم على اعادة انتاج خبرة الاخر تعود الى تلك الايام. الغريب أن ما أعدت انتاجه في داخلي عشته في موقف خلف السدة نفسه في عام 1964. لقد أخضعونا للتدقيق في هواياتنا السياسية مبكرا جدا، ولأننا لم نتشرف بمغادرة  الوطن في ما بعد، كمناضلين او رساليين او يساريين او يمينيين ، فقد وزعنا انا ورياض قاسم الادوار : انا انسى وهو يتذكر . انا افقد التواريخ والاسماء وهو يسترجعها لي . في النهاية لم نعد نتحدث بجمل كاملة بل نهمهم وندردم ونصرخ ونغني وندوزن على الطاولة اغاني عبد الوهاب. كان شريكنا الجديد سامي محمد ، المايسترو الصامت ، السختجي حتى العقل ، الحزين حتى العظم ، تعصف به الكآبة فيصيح : اششششششششش! فننطلق ضاحكين على مصائبنا في الاختيار ما بين الكلام الفصيح والهمهمة الحيوانية التي تتوسطها اشارات سامي الملوكية. منذ أن عرفت رياض قاسم في عام 1956 لم نتحدث في السياسة الا قليلا جدا. لقد امتلكنا هاجس اننا في سباق كئيب خاص بالتعبير : خير الكلام ما قل ودلّ. بيد اننا وإن خشينا الافعال العنيفة لم نخش الجنون . ففي احد الايام ، من دون اتفاق لغوي ، بالنظرات وحدها ، قمنا معا بتمزيق كل ما تحت ايدينا من مواد تحرير خاصة بمجلة الاذاعة والتلفزيون ، وكمية هائلة من المجلات والاوراق. ولقد استبدت نشوة التمزيق برياض الى حد انه مزق قبوطه المعلق على مسمار. لم يكن هذا كافيا – بالطبع – في تفريغ الليبيدو الغاضب. في الحقيقة لم نكن على معرفة باقتصادياته بل بمعرفة غامضة برمزياته المتحولة. إن الغضب الذي لا يصيب اهدافه الحقيقية يتحول الى كآبة وزعل دائم على النفس ، وفي حالتي كان النسيان خطة اصلية لهرب. وهكذا لم نك

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

كاريكاتير

كاريكاتير

ميثم راضيميثم راضي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram