نزار شهيد الفدعم
المسلسلات العراقية هذه العام كانت محلك سر، البعض منها حلق عاليا” بعدد مشاهديه والبعض الأخر مر سريعا” ولم يترك انطباعا” يذكر، لكن بصورة عامة حاولت الفضائيات العراقية بكل جهدها تقديم كل إمكانياتها من اجل ان تكون الشاشة عراقية بنوعية متميزة حتى ان أحدى الفضائيات العراقية رفعت شعار(بس عراقي).
لكن من جهة أخرى افتقدت كثير من الإعمال العراقية لبصمة الكاتب العراقي وغابت أسماء مهمة مثل صباح عطوان وعلي صبري وحامد المالكي وعلي حسين ونصوص الكتاب الراحلين سعد هدابي وفاروق محمد وعادل كاظم الموجودة في مكاتب شركات الإنتاج منذ سنوات وظهرت أسماء شابة مثل محمد حنش ومصطفى كاظم والممثل أحمد وحيد الذي يكتب لنفسه ويمثل، وتم الاستعانة ببعض الأسماء المجهولة لنا من المحيط العربي مثل مسلسل بنات صالح الذي كتبته اللبنانية ندى عماد خليل الذي تم تعريق دون الإشارة للمسلسل المصري الذي قدم من عشرات السنين (لا يا أبنتي العزيز) الذي أدى دور البطولة فيه عبد المنعم مدبولي ومن إخراج نور الدمرداش وتأليف يوسف فرنسيس.
ويبدو أن مسلسل جوري الذي كتبه المصري أحمد عبد الفتاح خرج من عباءة مسلسل أفراح القبة الذي اعد عن رواية الكاتب الكبير نجيب محفوظ وأخرجه محمد ياسين، مستغلا” نفس الأجواء ونفس العوالم والأزياء والديكور وتوزيع الإضاءة وتقارب بعض الخطوط الدرامية في الإحداث ، وهذا يقودنا أيضا” إلى مسلسل الدولة العميقة الذي لم يكن عميقا” بما فيه الكفاية ليكشف لنا عن ماهية هذه الدولة وهويتها وتشابكاتها وخططها ورجالها بل استكفى برسم صورة نائب فاسد وضابط فقد مركزه بسبب فساد هذا النائب ومحاولة الانتقام منه من خلال الاستعانة بشخصية داود الذي يحاول الاستعانة ببعض الشباب الذين يعرفهم لغرض الانتقام من النائب الفاسد ضياء الذي قتل وتسبب بتغيب بعض الشباب هذه الفكرة تعكزت على الخط الرئيسي للفلم المصري (كتيبة الإعدام) للمخرج أسامة أنور عكاشة ومن بطولة نور الشريف ومعالي زايد وإخراج علي عبد الخالق ، نفس فكرة الانتقام والأخذ بالثأر،عندما يخرج حسن من السجن يريد أن يأخذ بثأره من الذي أوقع به ونعيمة تريد الانتقام من قاتل أبيها والضابط يوسف يتعاطف معهم عندما يشكلون مجموعة للبحث والانتقام من الذين تسببوا بقتال شباب المقاومة في حرب 1956 في السويس، وسرقة رواتب الموظفين والتعامل مع الاسرائيليين لكن النهاية في (الدولة العميقة) صارت مختلفة وممكن توحي بوجود جزء ثان وهي أيضا” مستلة من نهاية فلم (الجزيرة 2) عندما ينفجر الكهف الذي يضم مثلث الإجرام و في مسلسل الدولة العميقة ينفجر المخزن (علي وعلى أعدائي).
كتب نص الكادوود الكاتب عبد الخالق كريم وهو متمرس في الكتابة. نص جميل من حيث البناء والإحداث وتسلسلها والحوار، رغم إني أشم ورائه رائحة مسرحية زيارة السيدة المجهولة للكاتب المسرحي فرد ريش دورنمات .
كان أمام الفضائية المنتجة لهذا المسلسل المجال واسعا «كي تتميز وتحلق عاليا» عندما إختار الكاتب البصرة مكانا” لمسرح أحداثه لان البصرة بما تضم من نقطة جذب في أماكن التصوير والأزياء، والأجواء الخاصة بها واللهجة تعطيها ميزة عن كل المسلسلات التي تم تنفيذها.
لكن كان ثمة خطأ واضح منذ اختيار المخرج الذي لا يفرق بين بغداد والموصل والبصرة لأنه ليس ابن البيئة العراقية ولأنه ضيع فرصة أن يرتقي في النص ويحلق عاليا” ويبتعد عن كل المسلسلات وبين يديه نص جيد جدا”.
كنا نبحث عن البصرة في المسلسل فلا نجدها لان مواقع تصوير لا تخدم المسلسل وليس هناك إي شيء يدلنا أننا في البصرة ماعدا بعض الحوارات التي تشير إلى أن إحداث المسلسل تقع في البصرة، حتى اللهجة البصراوية المحببة افتقدناها وسمعنا وشاهدنا كل ممثل يتكلم بطريقته وكان من المفروض الاستعانة بمراقب لهجة حتى يحافظ الممثلين على نطق الحروف ومخارجها وتدوير الكلمة وإشباعها على طريقة أهل البصرة التي تشبه لهجة أهلنا في الخليج وبذلك فقدنا جمهور مضاف إلى الجمهور العراقي.