TOP

جريدة المدى > عام > حول خطاب سولجينتسين في جامعة هارفارد

حول خطاب سولجينتسين في جامعة هارفارد

نشر في: 26 إبريل, 2022: 11:13 م

موسكو – عبدالله حبه

صدر بموسكو المجلد 29 من المؤلفات الكاملة للكاتب الروسي الكسندر سولجينتسين الحائز على جائزة نوبل. ويتضمن المجلد بعض مقالاته وخطبه وذكرياته ومنها خطابه في عام 1978 بجامعة هارفرد الأمريكية الذي أورد فيها موقفه من النظام في الغرب ولا سيما في الولايات المتحدة.

وكان الكاتب قد كرر مرارا لدى مغادرته الولايات المتحدة وعودته الى الوطن بعد تفكك الإتحاد السوفيتي موقفه بأن الحضارة الغربية عموما تفتقر الى القيم الروحية. كانت جامعة هارفارد قد دعته عدة مرات لإلقاء خطاب في حفلات التخرج وبحضور الشخصيات الرسمية لكنه رفض ذلك لرغبته بعدم الخروج من عزلته. علما أنه كان آنذاك لا يرغب في مقابلة الصحفيين الأمريكيين والمنشقين السوفيت الراغبين في الحصول منه على كلمة ما ضد الإتحاد السوفيتي في سياق الدعاية ضده. وسبب ذلك خيبة أمله في النظام الرأسمالي الذي يسوده قانون الغاب وميل البعض الى مهاجمة الشعب السوفيتي وليس النظام.

وجاء في المذكرات « إنني كنت خلال سنوات عديدة في الإتحاد السوفيتي وأربع سنوات في الغرب أمزق وألفق وأهاجم الشيوعية، لكنني في السنوات الأخيرة رأيت في الغرب الكثير من الأمور الخطرة والباعثة على القلق، وآثرت الحديث عنها في خطابي عندئذ وعنوانه:»العالم المنقسم على ذاته «. وذكرت فيه:» إن البشرية تتألف من عوالم منفصلة ذات طابع متميز ومن حضارات مستقلة منفصلة عن بعضها البعض، وغالبا ما تكون بعيدة عن بعضها البعض أيضا. ويجب التخلي عن التعمية القائمة على الغطرسة في تقييم درجة تطور جميع هذه العوالم فقط إنطلاقا من توجهها الى النمط الغربي. وينطلق هذا المعيار من عدم تفهم جوهر جميع هذه العوالم.بينما يجب التطلع بيقظة الى هذا النظام نفسه.

يقوم المجتمع الغربي من حيث المبدأ على قاعدة قانونية ذات مستوى أدنى بكثير من المعايير الأخلاقية الحقيقية، علما إن التفكير القانوني فيه يميل الى التحجر. ومن حيث المبدأ لا يجري الإلتزام بالقواعد الأخلاقية في السياسة وفي الحياة الإجتماعية في غالب الأحيان.وتحول مفهوم الحرية الى إنطلاق الشهوات، وبمعنى ذلك بإتجاه قوى الشر(بغية عدم تقييد «حرية « أي أحد !). وضعف إدراك مسئولية الإنسان أمام الخالق والمجتمع. وهيمنت «حقوق الإنسان « على حقوق المجتمع ودمرته. وتتمتع الصحافة، التي لم ينتخبها أحد، بسلطة كبيرة وصارت أكبر من السلطات التشريعية والتنفيذية أو القضائية. بينما لا تهيمن في الصحافة الحرة نفسها حرية الرأي الحقيقية، بل تمليها إعتبارات الموضة السياسية – أي وحدة الرأي السائد لدى مالكيها(وفي هذه المجال أثرت أنا إنزعاجها على الأخص أكثر من شئ آخر).إن هذا النظام الإجتماعي لا يسمح بظهور شخصيات بارزة في قمة السلطة. إن الإيديولوجية السائدة في وضع تتراكم فيه الخيرات المادية فوق أي إعتبار آخر يقود الى ضمور شخصية الإنسان في الغرب، والى التراجع الجماعي للجرأة والإرادة اللدفاع عن الذات ، كما تجلى ذلك في أثناء الحرب الفيتنامية أو الإرتباك والحيرة حيال الإرهاب. إن جميع جذور هذا الوضع في المجتمع تعود الى عصر النهضة، والنزعة الإنسانية الرشيدة، ومن تصور إن الإنسان – هو مركز الوجود كله،ولا توجد فوقه قوة عليا. علما إن هذه الجذور خالية من النزعة الإنسانية غير الدينية وهي مشتركة لدى العقيدة الغربية الحالية وكذلك لدى الشيوعية. ولهذا تميل الإنتلجنسيا الغربية منذ وقت بعيد وبإصرار الى الشيوعية.

وفي ختام الخطاب أشير الى أن الفقر الأخلاقي في القرن العشرين ناجم عن الإبتعاد كثيرا عن التحولات السياسية والإجتماعية،وفقدان المبدأ الشامل والرفيع. ولا يوجد خلاص لدينا جميعا غير إعادة النظر في المعايير الخاصة بالقيم الأخلاقية، والتوجه الى بلوغ نظرة جديدة أسمى.وأختتم بالقول: لا يوجد مخرج لدى أحد في الأرض سوى الصعود الى مستوى أرقى».

وقد أنهالت الصحافة الأمريكية بشن الهجمات على الكاتب متهمة إياه بعبارات مثل: «متعصب وشخصية غيبية أرثوذكسية..ودوغماتي متشدد ،وراديكالي محافظ.. ورجعي..تحدى الغرب «. بينما دعت بعض الصحف الكاتب الى أن يغادر الولايات المتحدة إذا لا يعجبه النظام فيها. وأثار انزعاج المعلقين بصورة خاصة أن سولجينتسين اشار الى الإتحاد السوفيتي بصفته وطنه بالرغم من فقدانه الجنسية السوفيتية.وكان الكاتب قد اشار مرارا الى أن روسيا ذات حضارة متميزة قائمة بحد ذاتها وتختلف عن الحضارة الغربية.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

رواية "لتمت يا حبيبي".. إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram