عبد المنعم الأعسم
هل حقا ان العراق مقبل على حرب، او على بروفة حرب، او على شطارة حرب، او حافة حرب تشعلها الجماعات الخاسرة في الانتخابات، ولن تتراجع عنها إلّا وسلطة القرار معها، أو بعودة عقارب الساعة الى الوراء يوم كانت الاحوال غير الاحوال؟.
المشكلة ان مطلقي سيناريوهات الحرب جهلة في ما تعنيه الحرب وما تترتب عليها من تداعيات كارثية، حتى لو كانت محض كلام، او استعراضا للقوة الفارغة، اخذا بالاعتبار ان كل الحروب والحرائق تبدأ بالكلام.. فلو لم تطلق «العمة» البسوس كلماتها التي اضرمت النخوة القبلية والثأر ما اشتبك كليب وجساس، وما اندلعت حرب «داحس والغبراء» اربعين سنة بين ابناء العم المتجاورين، بكر وتغلب، بسبب ناقة قـُتلت عرَضا «من دون تخطيط مسبق».
فالكلام يلعب دور عود الثقاب الذي قال فيه مترنيخ، رجل المؤامرات النمساوي العتيق، انه «يسهل التغلب على كل قادة الجيوش الا اولئك الذين يحولون الكلام الى حريق» وقبله من أعماق التاريخ قال النبي محمد «إياكم والتشادق» وقوله: «أبغـَضكم إليّ الثرثارون المتفيهقون». وفي كتابه «البيان والتبيين» دعا الجاحظ، أبوعثمان عمرو بن بحر الكناني رب السماوات الى درء «فتنة القول» واضاف.. «ونعوذ بك من التكلـّف» ثم.. «ونعوذ بك من السلاطة والهذر» ويقف الجاحظ، بهذا الصدد، إعجابا عند حكمة الإمام علي في قوله: «وقيمة كل انسان ما يُحسِن» والاشارة هنا الى حُسن الكلام وانضباطه، والمهم ان الجاحظ يؤكد في نهاية الامر بان لكل زمان «شكل من المحنة» ويبدو ان محنتنا الان (والقول هذه المرة لنا) تتمثل في فتنة القول العابر لحدود الاخلاقية الوطنية، وما يسعى اليه اصحاب الفتنة لترويج ثقافة الثأر والطائفية باجمل العبارات، سهلة الابتلاع، واكثر النصائح المسمومة المدفونة في حشوات الكلام.
والمشكلة، ايضا، ان بعض الدعاة ادمنوا وظيفة التجييش واثارة المشاعر وصارت لديهم ثروة من كلام الفتنة، وبعضهم اصيبوا بالهذيان المكروه، المذموم، وبخاصة في حالات التأزم والتوتر والانشقاقات وانعدام الثقة بين اصحاب الحل والربط والمشيئة والقرار، فهم، إذ يكررون الرطانات والمطولات والديباجات في غير ذي فائدة يزيدون من تهديد الشارع والتلويح بمعاقبة المحتجين، ويجعلون من بعض التوليفات اللغوية الشريرة بابا الى الامتيازات السياسية الضائعة بالنظر الى لجوء «الهاذي» الى وسائل الاثارة واللجاجة والايحاءات والاسهال في الكلام المنبري بمناسبة وبدون مناسبة.
والحال، اصبح كلام الفتنة مسموما، مراوغا، يبتعد عن ضبط الاشارة الى المقصود، ولا يتوانى عن ان يعيد اليوم ما قاله امس بإفاضة، كما لا يتوانى عن تكذيب ما قاله بالامس متواكلا على عطل ذاكرة مستمعيه.. وفي اغلب الاحيان يحل اصحاب اللعب بالنار ضيوفا على الشاشات الملونة في السحور محل فيلم السهرة.. عندما تكون الفتنة بحاجة الى عود ثقاب، فقط، ليشبّ الحريق.
استدراك:
قيل لـ«لبيرت سبير» صديق هتلر الحميم: كيف تصف لنا حياة الفوهرر؟ قال: في صباه كان يقضي ساعات طويلة امام المرآة ليمارس تمارين خطابية.