أ.د. ماهر موسى العبيدي تتفاوت الدوافع للكتابة بقدر تفاوت الكاتبين ,ولا يتقدم الكاتبون بعضهم على بعض الا على قدر ما يحملون من نيات بين جوانحهم , فمنهم الصادق ومنهم دون ذلك , وهم بعد ذلك لا يغيرون من الحقيقة شيئًا , ولكنهم يتفاضلون في سعيهم لكشف تلك الحقيقة, واظهارها بصورتها البيضاء الناصعة, تسر الناظرين وتملؤهم غبطة وسرورًا وعلى هذا لا على غيره وددت الكتابة عن شخصية متميزة كان لها دورها البارز في تاريخ العراق الحديث,
الا وهي شخصية المفكر البارع الاستاذ الكبير المرحوم إبراهيم كبة.اختارته قيادة ثورة 14 تموز (1958) ليكون وزيراً للاقتصاد ثم وزيراً للاصلاح الزراعي, وكان متألقاً في ادائه وافكاره خلال المدة القصيرة التي شغلها في هذين المنصبين. وفي وزارة الاقتصاد كان ابرز ما نادى به (على ما اتذكر) مقاطعة فرنسا اقتصادياً مناصرة للثورة الجزائرية العظيمة , الا انها لم تلق استجابة من دول الجامعة العربية على الرغم من التبجح الذي كان يظهره العرب في هذا الجانب, فكان ما طرحه في ذلك الاجتماع امتحانًا عسيرًا تميز فيه الصادق من الكاذب , كما كانت افكاره في الوحدة الاقتصادية العربية اسبق من الوحدة الاقتصادية الاوروبية , وما زالت وحدتنا الاقتصادية العربية تحبو في خطواتها الأولى حتى ألان مع الأسف.أما الاتفاقية الاقتصادية العراقية - السوفيتية فكانت مثالاً رائعاً لبداية التصنيع في العراق بقيادة القطاع العام وعلى الرغم من الضجة التي اثارها معارضو عبد الكريم قاسم وحاسدو إبراهيم كبة التي ادت الى تعطيل تنفيذها في ذلك الوقت , عاد هؤلاء انفسهم الذين وقفوا ضدها بعد تسع او عشر سنوات ليعملوا جاهدين على تنفيذها فكانت بما تحتويه من مصانع ومنشآت مساهمة كبيرة في التصنيع في العراق.ولم يكن عمل الاستاذ ابراهيم كبة على صعيد الزراعة اقل شأناً منه على صعيد التجارة, فعند تسنمه وزراة الزراعة عمل جاهداً لتنفيذ القانون الذي كان يهدف بمضمونه السياسي الى انهاء نفوذ الاقطاع السياسي والاقتصادي ورفع مستوى الإنتاج الزراعي لاحقـاً.وقد أوضح لنا رحمه الله في محاضراته فيما بعد عندما عمل استاذاً في كلية الاقتصاد والتجارة في جامعة بغداد سنة 1962 , أسباب السرعة العالية في تنفيذ ذلك القانون.وعندما سألناه نحن طلبته المعجبين بمستواه العلمي العالي عن اسباب انخفاض انتاجية القطاع الزراعي بعد ثورة 14 تموز 1958 كانت اجابته, بأن تفتيت الملكية كان هدفـاً سياسياً ولكن…واضاف سبباً طريفاً اخر صاغه بصورة بلاغية, اذ قال ان احد الاسباب الاخرى هو ان الوزارات العراقية لا تسير جميعها معاً على خط واحد في ادائها, وانما اشبه ما تكون بخيول السباق, يصل احدها الى المقدمة في الوقت الذي يكون بعضها في مؤخرة الركب. والحالة الأخيرة هي حال جميع وزاراتنا اذ تحبو ولا تركض مسرعة , كانت لملازم الفكر الاقتصادي المئة أثرها الكبير فيما تعلمناه في قسم الاقتصاد وكان يضع الأسئلة بطريقة متميزة اذ يبغي منها التحقق من الفهم وليس الحفظ اما الدرجات فهي على مستوى الإجابة التي تصب في الهدف من السؤال وليس الإسهاب بالإجابة, كانت محاضراته في مرحلة الدراسة الجامعية الأولية المئة صفحة أفضل من كتاب المفكر الاقتصادي البولوني ميشنيفسكي الذي كان يحتوي ثمانمئة صفحة والذي درسته في بولونيا خلال دراستي مرحلة الدكتوراه, رحم الله الأستاذ إبراهيم كبة المفكر الاقتصادي العظيم والنزيه.
إبراهيم كبة .. المفكر البارع والاقتصادي المتميز
نشر في: 30 يونيو, 2010: 04:31 م