د. حسن بدر *ابراهيم عطوف كبة رمز كبير للاستاذ أو المعلم في العراق. درستُ على يديه مادة (تاريخ الفكر الاقتصادي) في العام الدراسي 1970-1971. وإ ضافةً إلى المادة، فقد تعلمتُ الشيء الكثير والهام عن المنهج الماركسي في تناول قضايا المجتمع والطبيعة. ونظراً للشمولية والموضوعية التي كانت تميّز طريقة التدريس لدى الاستاذ ابراهيم كبة،
 فقد تعلمتُ ايضاً الشيء الكثيرعن المناهج الاقتصادية الأخرى أو ما كنا نسميه، حينذاك، المنهج البرجوازي. وضمن هذا الاطار، تعلمَ طلبة الاستاذ كبة منهج الاقتصادي وعالم الاجتماع الامريكي- النمساوي جوزيف شومبيتر بحكم إن عمل هذا الأخير في حقل التحليل الاقتصادي هو أحد أهم المراجع الغربية لمادة تأريخ الفكر الاقتصادي.  كتبَ الأستاذ كبة الكثير من المراجع الهامة، ولكن أهمها هو عمله (تأريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي) الذي وضعه في بداية السبعينيات من القرن الماضي. وهذا الكتاب ضخم من حيث الحجم ويتميز برجوع المؤلف إلى المراجع بلغاتها الأصلية كالإنجليزية والفرنسية والإيطالية وغيرها من اللغات التي كنت أسمع إن الأستاذ كبة يجيدها. ولكن رغم ضخامته، فهذا الكتاب لا يتضمن سوى الخطوط الرئيسية للموضوعات التي يتناولها. أما التفاصيل، الغنية بالأمثلة والتواريخ والشخصيات، فترد في محاضرات الأستاذ كبة التي يلقيها على طلبة السنة الثالثة في قسم الاقتصاد بكلية الادارة والاقتصاد في جامعة بغداد. تمتاز هذه المحاضرات بكثرة التفاصيل وباسلوبها الشيق أيضاً مما كان يضمن انشداد الطلاب من بداية المحاضرة وحتى نهايتها للأستاذ دون ضجر ودون إحساس بمرور الوقت. ولذلك ليس غريباً أن تكون الغيابات في هذه المادة قليلة نسبياً (بالمقارنة بالمواد الأخرى). وإذا كان إعجاب الطلبة اليساريين وذي الميول اليسارية بمحاضرات الاستاذ كبة أمراً متوقعاً وطبيعياً (وهوإعجاب يشمل الأساتذة اليساريين الآخرين) فإن إعجاب عموم الطلبة كان يقتصر على الأستاذ كبة وعدد محدد من الأساتذة المقتدرين فقط.   ومن الأعمال التي ترجمها الأستاذ كبة كتاب:(انهيار نظرية الرأسمالية الموجهَّة)، الذي أفاد الكثير من الدارسين، حينذاك، في تفهم الطابع الدوري للأزمات التي يتعرض لها النظام الرأسمالي (وعملية التطور الرأسمالية عموماً) ومدى قدرة التنظيم والتوجيه في منع انهياره. وفي حقل عرض الكتب، كان أنفع ما يقدمه الأستاذ كبة هو كتاب الشهر، حيث يقوم الأستاذ كبة بترجمة وعرض وتقديم كتاب معين مرة كل شهر في مجلة الاقتصاد التي كانت تصدر عن وزارة الإقصاد. وضمن هذه النقطة، قام كبة، عام 1973، بعرض الكتاب الهام للاقتصادي البولندي الكبير (كاليتسكي)، الذي عاصرَ وزاملَ الاقتصادي  المعروف (جون مينارد كينز) وساعده في ابحاثه. وقد كان لعرض هذا الكتاب فائدة كبيرة لطلبة ماجستير الاقتصاد (كلية الادارة والاقتصاد) ضمن دراستهم لنموذج التنمية الرأسمالية في ذلك الوقت.   وأخيراً، فالأمر الذي كان يحّير كاتب هذه السطور هو التساؤل عن إحجام الأستاذ الكبير ابراهيم كبة عن توظيف معارفه الواسعة والغنية (الاقتصادية وغير الاقتصادية) في تناول قضايا النمو والتنمية والتخلف في بلدان العالم والثالث، على غرار ما كان يفعل أكثر المفكرين الكبار في العالم، الذي كان الأستاذ كبة أحدهم بكل جدارة وحق.   * الدكتور حسن بدر، أحد طلبة الأستاذ ابراهيم كبة في مادة المذاهب الاقتصادية للسنة الدراسية 1970/1971 في كلية الادارة والاقتصاد/جامعة بغداد، ثم اصبح لاحقا استاذا للاقتصاد في العديد من الجامعات، اضافة الى قيامه بترجمة العديد من الكتب الاقتصادية الكلاسيكية ومنها اعمال الاقتصادي المشهور شومبيتر.