عباس الفياض * *يأتي كتاب الاستاذ ابراهيم كبة هذا، والذي ساعدت جامعة بغداد على طبعه، بمثابة جهد وعمل كبير لما قام به المفكرون الاقتصاديون عبر عصور عديدة، في سبيل ايجاد مفاهيم وأفكار للظواهر الاقتصادية بغية معرفتها والتكيف او التكلم بها، وجعلها أكثر ملاءمة للاستيعاب عند الضرورة. وأن دراسة الاقتصاد وفهمه يرتهنان ايضاً بالمنهج الذي يستخدمه هذا الكاتب او ذاك، هذا الباحث او ذاك، هذا الفيلسوف او ذاك، لغرض فهمه وادراك أبعاده.
الفكرة العامة للكتاب يحتوي العمل على 560 صفحة من الحجم المتوسط، متضمناً مقدمة حول مواد الكتاب، والقسم الاول ظهر تحت عنوان: تاريخ الاقتصاد. وهو مقسم الى اربعة فصول، اما القسم الثاني فيحمل عنوان: في تاريخ الفكر الاقتصادي، وقد ضم ستة فصول. هذا مع العلم ان الاستاذ كبة وضع لكل قسم او فصل من فصول كتابه هذا فهرساً تفصيلياً خاصاً مع هوامش وحواشٍ لمزيد من التفصيلات، وبعض المفردات المعرفية الخاصة بآراء المفكرين وتواريخ تناولهم للمادة المطروحة. فلم يكتف المؤلف بمراجعة المصادر الثانوية، بل بذل مجهوداً كبيراً في الرجوع الى المؤلفات الاصلية لاصحاب المذاهب والآراء، وبلغاتهم الاصلية، موفراً مادة مليئة بالمعطيات التاريخية والفكرية، وبالوقائع والنظريات وملاحظاته النقدية بشأنها، التي تشكل مادة غنية بين أيدي الدارسين والباحثين والقراء، للاستفادة منها، وأن تكون حافزاً للتعمق اكثر وللتحليل ولمراجعة الاصول التي اعتمدها المؤلف. المنهج العام للكتاب تناول الاستاذ كبة في القسم الاول التاريخ الاقتصادي، مقدماً مادة منهجية منذ البدايات، تتناول أسسه المنهجية، حيث وضع عناوين كمقدمة عامة في مادة التاريخ الاقتصادي، تشمل:أ. موضوع التاريخ الاقتصادي الذي يعنى، حسب المؤلف، بدراسة النشاطات الاقتصادية Activities، كما في الواقع، او حسب تعبير اندريه بيتر Andre Pietter يعنى بتاريخ الحياة الاقتصادية Vie او بتاريخ الوقائع الاقتصادية Faits، حسب تعبير مؤرخي الاقتصاد الفرنسيين او بتاريخ الخبرات والتجارب الاقتصادية Experiences حسب تعبير شمبيتر Schumpeter او بتاريخ تطور العمليات الاقتصادية، متجسدة عبر الزمن Process حسب تعبير اوسكار لانجه. ب – كما يتناول المؤلف أساليب عرض المادة في المؤلفات الاكاديمية، أي دراسة التاريخ الاقتصادي حسب التقسيم الاكاديمي التقليدي للتاريخ العام الى عصور قديمة ووسطى وحديثة، منتقداً عيوب هذه الطريقة، فضلاً عن الغموض والشكوك الحديثة حول هذا التقسيم. كما يشير الاستاذ كبة الى اقتصارها على الزوايا والأطر التاريخية فقط من دون التعمق، او في دراسة التاريخ الاقتصادي من زاوية القطاعات الاقتصادية (زراعية، صناعية، تجارة... الخ). ويفند الاستاذ كبة هذه الطريقة بأنها تكمن في تجزئة العملية الاقتصادية بصورة مصطنعة، او في استعراض تاريخ أجزاء من العمليات الاقتصادية تعود لأنظمة اقتصادية مختلفة من دون ملاحظة وظائفها المتبانية، او الدراسة الاقليمية للتاريخ الاقتصادي، اي استعراض التاريخ من زاوية التوزيع الجغرافي للعملية الاقتصادية. كما ان المؤلف يشير الى الدراسة المقارنة للتاريخ الاقتصادي، كما يفعل ولتر بكنكهام W.Buckingham في مؤلفه "النظم الاقتصادية النظرية – دراسة مقارنة"، وهو يقارب بين النظامين الرأسمالي والاشتراكي. وهناك خلط، كما يقول الاستاذ كبة، بين التاريخ الاقتصادي والنظرية الاقتصادية، او كما يفعل رالف بلوجت R. Blodgette في مؤلفه "النظم الاقتصادية المقارنة". وعيوب هذه الافكار والنظريات تكمن في أن الاسلوب قد يكون مفيداً من الناحية العملية، ولكنه مضر من ناحية اهماله للطابع العضوي للنظام الاقتصادي، او كما تجري الدراسة المؤسسية Institutional للتاريخ الاقتصادي، أي التركيز على تاريخ المؤسسات الاجتماعية والاقتصادية. وعيوب هذه الدراسة، بحسب الاستاذ كبة، انها تهمل في الحقيقة المفهوم العلمي للنظام الاقتصادي، فضلاً عن مفهومها الخاطئ للراسمالية والخلط بين الدراسة النظرية والواقع الاقتصادي. ويستعرض المؤلف ايضاً دراسة النماذج النظرية Economic Models في التاريخ الاقتصادي، أي دراسة الخصائص الجوهرية للنظم الاقتصادية – التاريخية (اقطاع، رأسمالية، اشتراكية... الخ) بعد تجريدها من التفاصيل غير المهمة. وهنا يقف الاستاذ كبة الى جانب هذا الاسلوب من الدراسة للتاريخ الاقتصادي، معتبراً اياه خطوة لا غنى عنها لفهم جوهر الانظمة الاقتصادية التي تعاقبت. ولكن المنهجية العلمية تفترض ان يعقب التجريد عملية اخرى هي عملية التقريب او التمديد المتعاقب Successive Approximation. وبعكس ذلك ستكون الدراسة مشوبة بعيب التجريد والبعد عن التاريخ الحقيقي. وينتهي الاستاذ كبة بالاشارة الى ان الطريقة الصحيحة، في رأيه، في عرض التاريخ الاقتصادي هي طريقة دراسة تطور وتعاقب النظم الاقتصادية (نظم الانتاج والتوزيع) بسائر مقوماتها العلمية، وفي اطرها الاجتماعية والتاريخية (أنظر ص 60). وفي الصفحات التي تليها يضع المؤلف قائمة بأسماء المؤلفات التي تساعد في دراسة المادة في الجامعات.rnأهم الاشكاليات التي تناولها المؤلف يرى د. كبة ان من المناسب الاشارة الى بع
قراءة في كتاب: دراسات في تاريخ الاقتصاد والفكر الاقتصادي
نشر في: 30 يونيو, 2010: 04:37 م