ابراهيم كبةكلمة تمهيدية: يتطلب أي بحث عن الحياة الحزبية في أي بلد ما البحث عن الإمكانيات الاجتماعية في ذلك البلد ،من جهة،باعتبار أن الحزبية عمل اجتماعي خالص هدفه تحقيق حاجات اجتماعية معينة لمجموعات اجتماعية معينة بالوسائل الاجتماعية المتوفرة. ويتطلب من جهة ثانية دراسة الظروف الداخلية والخارجية المتصلة بالأمكانيات المذكورة.
وبالنظر الى سعة الموضوع وتشعبه ،فأراني مضطرا بطبيعة الحال الى الاكتفاء بذكر النقاط الرئيسية في الموضوع ،مع تأجيل بعض المواضيع الأساسية المتصلة بالحياة الحزبية في العراق الى فرصة أخرى وخاصة " الحياة النقابية " ودراسة " النظام الأقطاعي ". وسيقسم الموضوع الى ثلاثة أقسام :الأول منها يبحث عن مستلزمات الحزب بوجه عام.والثاني عن الأمكانيات الاجتماعية الحزبية في العراق.والأخير منها عن شروط الحزب المطلوب.القسم الأولمستلزمات الحزب بوجه عام لابد للحزب لضمان فعاليته ونجاحه من العناصر الأساسية الآتية : • النظرية العلمية الشاملة لا يمكن في هذا المجال التكلم في جوهر النظرية العلمية من الوجهة الفكرية الخالصة ، وسأكتفي بذكر أهميتها من الوجهات العملية المتصلة بحياة الحزب الفعلية وفعاليته في الميدان العملي.فهي أولا : تضمن دوام الحزب لأنها تضمن دوام منهاجه، وشمول حلوله التفضيلية.أما إذا خلا الحزب من نظرية علمية شاملة على ضوئها يحدد مبادئه المباشرة وبرامجه العملية ،وبموجبها يفسر الحوادث التفصيلية المحيطة، فتصبح أغراضه محدودة بطبيعة الحال وتنتهي حياته باستنفاد هذه الأغراض. وهي ثانيا ؛ تضمن إيجابية أهداف الحزب. لابد لنجاح الحزب وفعاليته من أهداف إيجابية ، أي لابد له من حلول ايجابية للمشاكل الاجتماعية المختلفة بتفاصيلها ، ولن يعيش حزب اقتصرت أهدافه على السلبية.ولنأخذ مثلا على ذلك : حزب الاستقلال الآن ؛ إن نظرة واحدة الى منهاج هذا الحزب توضح انه موضوع لغرضين سلبيين . الأول / محاربة الاستعمار . والثاني / مكافحة التقدمية ، وخاصة الشيوعية ، وليس لدى الحزب فكرة واعية عن ارتباط الهدف الأول بالمشاكل الاجتماعية القائمة في العراق ؛ ولهذا فليست لديه حلول ايجابية محددة للمشاكل المذكورة.مثل هذا الحزب لا يمكن ان يعيش مدة طويلة وان يساير الحياة الاجتماعية المتطورة ، لأنه سلبي في اتجاهاته ، والسلب لا يمكن ان ينتج شيئا. وهي تضمن ثالثا :الانسجام في القيادة .وهو من أهم العناصر اللازمة لفعالية الحزب ونجاح سيره في ميدان العمل ، خاصة في المراحل الأولى من العمل الحزبي، ولا يمكن للقيادة ان تنسجم انسجاما فكريا حقيقيا ما لم يؤمن عناصرها بنظرية علمية عامة واحدة.ومن المؤكد ان عدم توفر هذا العنصر يؤدي عاجلا أو آجلا الى الانقسامات في القيادة وظهور ما يسمى عادة بالأجنحة في البداية ثم الانفصال التام في النهاية.ولا شك ان عدم توفر هذا العنصر كان السبب الرئيسي لظهور الاختلافات الأساسية في قيادة الحزب الوطني الديمقراطي الى جانب عوامل أخرى سيأتي ذكرها في حينه . وقد بدأت هذه الاختلافات أيضا تظهر في حزب الاستقلال وان كانت لم تخرج لميدان الفعل بعد! وهي تضمن أخيرا الانسجام وعدم التناقض في المناهج الحزبية وفي الحلول التفضيلية : ان النظرية العامة تكمن وراء حلول الحزب التفضيلية وتوحي بجميع وجهات نظر الحزب في المسائل المختلفة وتملي بصورة مباشرة أو غير مباشرة على الحزب وسائله في العمل ،ولاشك ان الحزب الذي لا يستند لنظرية اجتماعية شاملة سرعان ما يظهر التناقض واضحا في حلوله العملية وفي نفس مبادئه النظرية.ولنأخذ مثلا على ذلك من حزب الاستقلال .فقد أقر منهاج هذا الحزب في احدى مواده الأولى بصراحة انه لا يعتقد بوجود الكفاح الطبقي وانه يؤمن بالعكس بوحدة الأمة وتضامن طبقاتها.وواضح ان حشر هذه النظرية في صلب المنهج كان المقصود به توجيه الأنظار الى محاربة الحزب لمبادئ الشيوعية.ثم عاد فوضع الحزب في اكثر حلوله التفضيلية لمشاكل العمل والأرض والأقطاع حلولا مستمدة من الأشتراكية الغربية - reformisme - ذاكرا بصراحة ان غرض الحزب القضاء على التناقض الطبقي وتخفيف حدة الكفاح والنزاع بين الطبقات في العراق .وواضح من ذلك ان الحزب يفترض في هذه الحلول وجود التنازع الطبقي ويسلم دون شعوره به ويحاول بالوسائل الأشتراكية الإصلاحية المغلوطة التخفيف من حدته ، مجاريا في ذلك التيار الشعبي اليساري الجديد في العالم.• طبقية الحزب (استبعاد الآيديولوجية التوفيقية) ان طبقية الحزب نتيجة طبيعية بديهية لطبقية المجتمع في المجتمعات الطبقية القائمة. ولما كانت وظيفة الحزب تحقيق حاجات اجتماعية معينة (طبقية بالضرورة )كان لابد لسلامة العمل الحزبي من تبني مصالح طبقة من الطبقات القائمة والعمل على تحقيق حاجاتها ومصالحها بالوسائل العلمية. هذا وان طبقية الحزب حقيقة واقعة فعلا في جميع الأحزاب ولا يمكن لأي حزب ما أن يكابر ويدعي التحلل من السير ضمن المصالح الطبقية.ومن هنا نفهم ت
الحياة الحزبية في العراق
نشر في: 30 يونيو, 2010: 04:37 م