حسين عبد الرازقأعلن د. السيد البدوي رئيس حزب الوفد أن الحزب سيخوض انتخابات مجلس الشعب القادمة وأن الوفد يرفض الدعوة لمقاطعة الانتخابات، وعندما دعا د. محمد البرادعي واللجنة الوطنية للتغيير وبعض المتحدثين باسم حركة كفاية أو شباب 6 أبريل
لمقاطعة هذه الانتخابات رفض البدوي والوفد هذه الدعوة، وهو موقف صحيح وطبيعي، فليس من حق فرد أو جماعة أن تنصّب نفسها قيادة للحياة السياسية ولأحزاب وقوى المعارضة، فتقرر نيابة عنها وتدعوها للالتزام بما قررته وتنتقدها إن هي لم تستجب للقرارالذي لم تشارك في اتخاذه، بل وتوجه لها الاتهامات بالتواطؤ مع الحكم وعقد صفقات مع الحزب الوطني الحاكم، ولكن ما استوقفني - وعديدين غيري - من القريبين من حزب الوفد وقادته بمن فيهم الصديق السيد البدوي، التصريح الغريب المنسوب إليه والمنشور في صحيفة الأهرام صباح السبت الماضي، والذي يقول فيه (إن انسحاب حزب بقيمة ومكانة وتاريخ الوفد من ميدان معركة الانتخابات يعد خيانة وطنية وضعفا سياسيا وهروبا من المواجهة)!وغرابة هذا التصريح يبدو بوضوح في جانبين.الأول أن حزب الوفد مارس مقاطعة الانتخابات - مع غيره من الأحزاب - خلال السنوات الماضية أكثر من مرة.فقد قاطع حزب الوفد تحت قيادة الراحل العظيم فؤاد سراج الدين ومعه حزب العمل وحزب الأحرار والإخوان المسلمين انتخابات مجلس الشعب عام 1990.وفي مايو 2005 قاطعت أحزاب التجمع والوفد والناصري ومعها حزب الغد والإخوان المسلمين والحزب الشيوعي المصري والحركة المصرية للتغيير ولجنة الدفاع عن الديمقراطية والحملة الشعبية وحركة 20 الاستفتاء علي تعديل المادة 76 ودعت المواطنين لمقاطعة التصويت.وكررت أحزاب الوفد والتجمع والناصري والإخوان والشيوعيين دعوتهم لمقاطعة التصويت في الاستفتاء علي تعديل 34 مادة من الدستور في مارس 2007.وقاطع حزب الوفد والحزب الناصري انتخابات مجلس الشوري في يونيو 2007.فهل ارتكب حزب الوفد والأحزاب الأخرى بهذه المقاطعات جريمة الخيانة الوطنية؟!الجانب الثاني الذي يطرحه هذا التصريح يتعلق بفكرة المقاطعة، فمقاطعة الانتخابات أمر معروف في الحياة السياسية في عديد من الدول وفي ظل ظروف وأوضاع معينة، ولا خلاف أن الأصل هو المشاركة في الانتخابات والتصدي بكل السبل والأساليب الديمقراطية لمحاولات التزوير، سواء من جانب السلطة الحاكمة أو أصحاب الثروات المشبوهة، ورغم أن مصر لم تعرف الانتخابات الحرة النزيهة سواء في ظل التعددية الحزبية بعد دستور 1923 وحتى عام 1953، أو في ظل تجربة التعددية الحزبية المقيدة منذ عام 1976 وحتى الآن، إلا مرتين عام 1924 و1950 (وفاز فيهما حزب الوفد).. فقد خاضت الأحزاب هذه الانتخابات وتصدت للتزوير وكشفته وأفقدت السلطة الحاكمة التي قامت بالتزوير شرعيتها السياسية والشعبية، وأي قراءة في نسب التصويت التي أعلنتها وزارة الداخلية - التي تدير عمليا الانتخابات في مصر - للانتخابات والاستفتاءات في ظل حكم الرئيس مبارك قاطعة بأن التزوير هو الأصل.فبيانات وزارة الداخلية تقول إن نسبة من أدلوا بأصلواتهم في انتخابات مجلس الشعب عام 1984 بلغ (43%) وارتفعت النسبة عام 1987 إلي (54%) وفي عام 1990 كانت (46%) وفي عام 1995 (50%)، وانخفضت هذه النسبة بشكل جلي وفاضح للتزوير عندما أشرف القضاة على الانتخابات عامي 2000 و2005، فبلغت عام 2000 قرابة 28% وفي عام 2005 انخفضت إلي (69.24%).أما الاستفتاءات - والتي لا يذهب إليها أحد عادة - فالتزوير كان أكثر سفورا وفجرا، ففي الاستفتاء علي المرشح الوحيد للرئاسة قبل عام 2005 (تاريخ أول انتخابات رئاسية) تراوحت نسب المشاركة بين 4.85% و69.96%، وعندما جرى الاستفتاء عام 2005 علي تعديل المادة 76 والتحول من نظام الاستفتاء على مرشح الرئاسة إلي انتخابات رئاسية تعددية زعمت الداخلية أن نسبة من أدلوا بأصواتهم في هذا الاستفتاء بلغ 64.53% الطريف أن هذه النسبة انخفضت عند إجراء أول انتخابات رئاسية في نفس العام إلى 23%، والفارق بين الاستفتاء وانتخابات الرئاسة ثلاثة أشهر فقط!.ولا يعني ذلك أن الانتخابات التي جرت في ظل وجود قاض على كل صندوق عامي 2000 و2005 كانت حرة ونزيهة، فقد سجل القضاة في تقاريرهم وقوع تزوير في عديد من الدوائر حيث قامت الشرطة بحصار بعض القرى وبعض لجان التصويت لمنع الناخبين - باستثناء الناخبين الذين يحملون بطاقات الحزب الوطني أو يحضرون جماعات في سيارات تحمل شعار الحزب الوطني - من الإدلاء بأصواتهم، كما اعتدى بعض ضباط الشرطة على رؤساء اللجان من القضاة، إضافة لاستخدام المال والبلطجة تحت حماية الشرطة في بعض الدوائر. وفي ضوء هذه الحقائق دعت أحزاب وقوى عديدة لمقاطعة انتخابات الشورى الأخيرة، وبعد الانتخابات اكتسبت هذه الدعوة مصداقية وتأييدا أكثر، فانتخابات الشورى الأخيرة لم تكن انتخابات مزورة بالمعنى التقليدي لكلمة التزوير، فالشرطة منعت إجراء الانتخابات من الأصل وقامت بالتصويت نيابة عن المواطنين وكتابة المحاضر وإعلان النتائج المقررة سلفا.لكن المشكلة أن شروط المقاطعة غير متحققة، فالمقاطعة لكي تحقق أهدافها تتطلب شرطين. الأول.. استعداد الناخبين للاستجاب
مقاطعة الانتخابات
نشر في: 30 يونيو, 2010: 04:50 م