متابعة/ المدى
وسط مؤشرات متناقضة ومشهد سياسي واقتصادي مغاير، وغياب القطب السني الذي يشكل أهم ركائز النظام، انطلقت المرحلة الأولى من عملية الانتخابات البرلمانية في لبنان، صباح اليوم الجمعة، عبر اقتراع اللبنانيين المغتربين في الدول العربية والإسلامية.
وقال وزير الخارجية اللبناني عبد الله بوحبيب، إنه راض عن سير عملية اقتراع المغتربين حتى الآن، واصفا إياها بالممتازة.
ويعول الكثيرون على الانتخابات النيابية لتغيير المنظومة الحاكمة وتشكيل فريق جديد يمكنه إنقاذ لبنان من أزمته الحادة، إلا أن اعتزال سعد الحريري للعمل السياسي، والتخبط الكبير في فصيل السنة قد ينذر بأزمة مقبلة، وفقا للمراقبين.
انتخابات الخارج
وأشار وزير الخارجية اللبناني إلى "وجود 120 تلميذا من الجامعة اللبنانية للمساعدة في مراقبة سير العملية، بالإضافة إلى لجنة الانتخابات الموجودة في وزارة الداخلية والخارجية وهم جاهزون للبت بأي إشكال قد يحدث خلال عملية الاقتراع".
وعن عملية نقل صناديق الاقتراع إلى لبنان قال إن "معظمها سيتم نقلها عبر الـ DHL (بريد دولي سريع) بعد أن يتم ختمها بالشمع الأحمر بوجود ممثلي اللوائح ما عدا صناديق طهران التي سيتولى السفير نقلها بعد ختمها أيضا بالشمع الأحمر بوجود ممثلي اللوائح".
وعن إمكانية التلاعب بالصناديق أجاب الوزير "كوزارة خارجية وكدولة وحكومة ليس لدينا أي غرضية من تغيير نتائج الانتخابات واللعب فيها"، مؤكداً أن "كل صندوق يحتوي على جهاز تعقب ونستطيع معرفة مكان الصندوق في أي لحظة".
وختم بالقول إن وزارة الداخلية هي المسؤولة عن الانتخابات، أما الخارجية فهي آلية لانتخابات الخارج، وسيتم استقبال الصناديق من قبل وزارة الداخلية، وسيتم نقلها إلى مصرف لبنان.
معطيات جديدة ولكن..
اعتبر أسامة وهبي، الناشط المدني اللبناني، أن الانتخابات النيابية هذه المرة تختلف عن سابقتها، لأن هناك وضعًا جديدًا يتمثل في الانهيار السياسي والاقتصادي والمالي الذي يمر فيه لبنان، إضافة لمعطى جديد وهو ثورة 17 تشرين والغضب العارم الذي عبر عنه الشعب اللبناني على مدى عامين ونصف.
إلا أن المنظومة الحاكمة في لبنان، بحسب حديث وهبي، لا تزال تملك الكثير من نقاط القوة، خاصة أنها من تدير هذه الانتخابات التي تعتمد على قانون انتخابي هجين تم تفصيله على قياس هذه المنظومة، وأخذ بعين الاعتبار وضع كل حزب من أحزاب المنظومة، حتى تتحكم في أصوات الناخبين، كما أن المنظومة تملك الكثير من "أوراق الابتزاز" للشعب اللبناني من خلال "التخويف والتخوين"، فهناك من يقوم بتهديده بوظيفته ولقمة عيشه وأعماله، ناهيك عن الاعتداء على المرشحين على لوائح المعارضة والثورة، وفق قوله.
وأكد أنه وسط هذه العيوب التي تعاني منها الانتخابات النيابية الحالية، لكن هناك حدثاً جديداً يتمثل في الإقبال الكبير من قبل المغتربين اللبنانيين بالخارج، حيث سجلوا أرقامًا قياسية لم تعرفها الانتخابات من قبل، فهناك هجمة كبيرة للمشاركة ونية أن يكون التصويت عقابياً لمحاسبة الحكام من خلال صناديق الاقتراع، بيد أن الأحزاب الحاكمة في لبنان لا تزال ممسكة بزمام الأمور، وهيئة الإشراف على الانتخابات كان من المفترض أن تكون حيادية، لكن كل الأجهزة تابعة للمنظومة الحاكمة، وهناك إمكانية كبيرة للتزوير في بعض الصناديق والمناطق، وسط "تدخلات سافرة" من قبل موظفي الدولة والبلديات.
وتابع وهبي "تشهد الانتخابات أيضا عزوف سعد الحريري وغياب تيار المستقبل، وأكثرية المؤيدين للحريري ينتمون للطائفة السنية، وهذا تحد كبير لمحاولة جذب الناخب السني للمشاركة، فهناك صراع خفي بين تيار المستقبل والرئيس الحريري من جهة والسعودية التي تحث الناخب السني على المشاركة".
وتابع أن "صناديق الاقتراع هي من تبين أي الخيارات انتصرت وسط تخبط كبير وتشتت للطائفة السنية، وغياب كلي للقيادات ووجود الكثير من المرشحين واللوائح، وعدم وجود شخصيات وازنة ولها ثقل سياسي كما الحريري".
ويرى أن الانتخابات تشهد حالة من التخبط، والوضع بعد الانتخابات لن يكون في أفضل حال، حيث من المتوقع أن تعود المنظومة الحاكمة بأكثرية نيابية، نتيجة الأوراق التي تملكها، والإشراف على الانتخابات غير الحيادي وغير النزيه.
مؤشرات مهمة
بدوره، اعتبر ميخائيل عوض، المحلل السياسي اللبناني، أن انطلاق الانتخابات النيابية اللبنانية للمغتربين في الخارج، مؤشر قوي على احتمال استكمالها في الداخل، وهناك ترقب لقراءة نسب المشاركة الفعلية من المسجلين طوعًا لإتمام العملية الانتخابية، حيث على ضوء هذه الأرقام ترتسم صورة ما سيكون عليه المجلس النيابي القادم.
وبحسب تصريحاته فإن هناك بعض الجماعات من بينها القوات اللبنانية يراهنون على ارتفاع معدلات التصويت بالخارج بشكل كبير من أجل رفع حواصلهم، وذلك لأن المنافسين وهم الثنائي الشيعي ("حزب الله" و"حركة أمل") والتيار الوطني الحر، أقرب من أن يكونوا ممنوعين من ممارسة الانتخابات أو أن يتقدم أنصارهم خوفا من ردود الفعل، لا سيما الضغوط والعقوبات والتهديدات، وأن الانتخابات تقع تحت إشراف مباشر من الأجهزة الأمريكية والخليجية والتي تكن العداء لحزب الله والتيار الوطني.
وتابع: "لا يزال يحذر البعض من احتمال اندلاع توترات اجتماعية أمنية قبيل أو أثناء إجراء الانتخابات في لبنان، ما قد يحول دون إتمامها على الشكل الذي يرغبه الساعون للانتخابات".
وتوقع عوض أنه في حال استكملت العملية الانتخابية سيحصد "حزب الله" وحلفاؤه النسب الأكبر، ما يعزز شرعيتهم الشعبية والدستورية، وستكون الانتخابات في مجملها لصالحهم، وليس في صالح من أرادها مبكرة وسعى لأن تكون حدثا انقلابيًا يقلب من خلاله الأكثرية النيابية بقصد إعادة هيكلة النظام والمنظومة السياسية لاستهداف "حزب الله".
وستجرى الانتخابات النيابية وفق القانون النسبي والصوت التفضيلي، في 15 مايو/أيار المقبل على الأراضي اللبنانية حيث سيتمكن 3970073 ناخباً من اختيار 128 نائباً للبرلمان الجديد.
وأعلن الحريري تعليقه العمل السياسي في المرحلة الحالية، مبررا ذلك بأنه لا مجال لأي فرصة في لبنان. وطلب "تيار المستقبل"، ممن يريد الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة من محازبيه تقديم استقالتهم، وعدم استخدام اسم التيار وشعاراته في الحملة الانتخابية.
المصدر : سبوتنيك