TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > غناءٌ استوني

غناءٌ استوني

نشر في: 17 نوفمبر, 2012: 08:00 م

ميزة الديمقراطية إنها عرضة لتحولات دائمة، على الأقل في المجتمعات الأكثر تحضراً، وأن صيرورتها مستمرة من خلال بحثها المستمر عن حلول للمشاكل التي تواجهها.. وهذه أهم ميزات النُظُم الوضعية، حيث لا وجود للكمال، إنما هناك سعي مستمر للتكامل.

أهم الانتقادات التي واجهت جدوى النظام الديمقراطي هي؛ عدم وجود تمثيل حقيقي للناس، ما يعني خللاً في الشعار الذي تعمل تحت شرعيته، أقصد (حكم الشعب للشعب)، ففي نهاية المطاف هناك أحزاب تتناوب على السلطة بشكل دوري، وهذه الأحزاب مسيطر عليها من قبل أشخاص، أو مؤسسات. وبالنهاية سنكون أمام هيمنة نخبة سياسية تتناوب عملية السيطرة على الحكم ولا نكون أمام حكم شعبي حقيقي. صحيح أن هذه النخبة خاضعة لرقابة المؤسسات المستقلة ومحاسبة شعب يتحكم بصناديق الاقتراع. لكن هناك خلل واضح، حاولت الشعوب أن تجد له حلا، وهذا ما وجدت أحسن الأمثلة عليه في استونيا، البلد الخارج تواً من هيمنة روسيا، حيث عملوا على تحقيق خطوتين في هذا الإطار، خطوتان تولت الإعداد لهما وتطبيقهما منظمات مجتمع مدني مسؤولة:

أول هذه الخطوات هي؛ وضع ميثاق عمل مع الحكومة، يصادق عليه مجلس النواب ويكفل لمنظمات المجتمع المدني نوعاً من أنواع المشاركة في رسم السياسات العامة للبلد، وعبر رحلة ليست قصيرة ولا سهلة تمكنت هذه المنظمات وبدعم المجتمع، من أن تقنع الحكومة بقبول بنود الميثاق وتصل معها إلى اتفاق بهذا الإطار. وهكذا وبضمانة هذا الميثاق صار على الحكومة أن تلتزم بجملة من الخطوات، أهمها؛ وضع القوانين، قبل إرسالها إلى البرلمان، على موقعها الالكتروني، لفترة تكفي لاطلاع المجتمع المدني المعني، لأخذ ملاحظاته ومقترحاته عليها، ومن خلال هذه الخطوة سيكون التشريع، وقبل وصوله البرلمان، قد مر بتعديلات المجتمع. صحيح أن الميثاق لا يوفر قوة القانون، ومن ثم فهو لا يُلْزِم الحكومة، لكن سيكون موقف الحكومة محرجاً أمام ناخبيها فيما لو تجاهلت التعديلات التي تهمهم، والفائدة الأهم في هذا الإطار أن احتكار النخبة السياسية للحكم قل بشكل كبير من خلال اشتراك الشعب فيه عبر منفذ المنظمات المدنية.

الخطوة الثانية تمثلت باستثمار النت من أجل خلق بيئة تفاعلية بين الناخبين وبين القوى السياسية المتنافسة على السلطة، تلتزم فيه هذه القوى بطرح برامجها الانتخابية على ناخبيها، وتناقش جميع بنودها معهم، وتتقبل انتقاداتهم وتضع التغييرات المناسبة، ثم تستمر عملية التفاعل والمراقبة طوال عمر الحكومة المنتخبة، ومن خلال قاعدة بيانات دقيقة ومحايدة، يكون الناخب على اطلاع كامل بالإخفاقات في تطبيق بنود البرامج، أو التنصلات عن وعود القوى السياسية، ومن ثم يمنع هذه القوى من ممارسة المزيد من عمليات الخداع والتضليل. والمهم في هذه البيئة التفاعلية، أنها نافعة للقوى السياسية، وخاصة المعارضة، حيث تكون لديها فرصة كبيرة للتواصل مع الناس وحشد آرائهم وكسب أصواتهم.

تجربة الديمقراطية في استونيا ليست عريقة، لكنها تسعى بشكل مثير نحو التكامل، لأنها تقع في أعلى سلم أولويات شعب يدافع بقوة عن فرص حياة أمثل. شعب تمكن من إنهاء الاحتلال الروسي عن طريق الغناء، فهل تصدقون أن الغناء يصنع ثورة ويطرد محتلاً؟ ستصدقون بالتأكيد، عندما استذكر الموضوع معكم بمقال لاحق.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

يحدث الآن

«الإطار» يطالب بانسحاب السوداني والمالكي.. وخطة قريبة لـ«دمج الحشد»

تراجع معدلات الانتحار في ذي قار بنسبة 27% خلال عام 2025

عراقيان يفوزان ضمن أفضل مئة فنان كاريكاتير في العالم

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

بغداد تصغي للكريسمس… الفن مساحة مشتركة للفرح

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: يزن سميث وأعوانه

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

سافايا الأميركي مقابل ريان الإيراني

فـي حضـرة الـتـّكـريــم

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram