عامر القيسي المقولات الفلسفية والتأريخية والسياسية تقول ، ان القديم لايخلي مكانه للجديد بسهولة ، وينشأ عن هذا التضاد ،صراع بين قوى التجديد والحرس القديم ، الاول مع حركة الحياة والثاني ضد حركة التأريخ . وهذا الوضع ينطبق على المشهد العراقي بكل تنوعاته ،
السياسية والفكرية والاجتماعية والاقتصادية والقانونية . الحرس القديم ، وان لم يكن بنفس اللباس القديم والسلاح نفسه ، يستقتل من أجل ان يبقي الماضي ماضياً ومؤثراً ومعرقلاً في حركة التأريخ . لذلك نلمس منذ سقوط الدكتاتورية في التاسع من نيسان 2003 وانطلاقة الارادة الشعبية نحو صناديق الاقتراع والانتخابات وصياغة العراق الجديد ، تترصد قوى من داخل مؤسسات الدولة بمختلف الوان عباءاتها لعرقلة انطلاقة المناخ الايجابي الذي تولد بعد سقوط الدكتاتورية ، وكان حصان طروادة بالنسبة لها هو "القوانين النافذة" وهي قوانين من صناعة السلطة الفردية لصدام ، والتي كان القانون بالنسبة له "جرة قلم " يغيره متى شاء على هوى مصالحه ورغباته على الضد من رغبات الجمهور العامة . والقوانين في عراق مابعد التغيير مازال البعض يقف ضد تغييرها أو تطويرها ومازالت الكثير من تفاصيل حياتنا اليومية تسير وتوجه وفق احكام وقوانين سلطة زائلة ، سنت من القوانين المضادة والمعادية لمصالح الجمهور ، مثلما لم يحصل ، دون مبالغة ، في اي بلد في العالم . وكانت احدى هموم النظام السابق ، فضلا عن السجون والاعدامات والنفي والتشريد ومحاربة الرزق ، هي اغلاق افواه الصحفيين وتقييد حرية الصحافة الى الدرجة التي كانت فيها كل الصحف العراقية عبارة عن صحيفة واحدة ، وكانت زلة القلم من اي صحفي ، حتى لوكان مواليا من الدرجة الاولى لنظام صدام ، تودي به الى معسكرات التأديب التي لاأراها الله لبشر من شدّة التعذيب والاهانات وتدمير الروح الداخلية للأنسان . هل يراد للعراق ان تبقى صورته على هذه الشاكلة بعد نهر الدم الذي قدمه من أجل حريته ؟ هل يستدعي نشر خبر مشاع ومنشور في اكثر من صحيفة ومبثوث على مواقع انترنيت ، ان تستفرد المدى بدعوى قضائية حياله ؟ ماهي الاهداف التي تقف وراء هذا الانتقاء للمقاضاة وفق قوانين سلطة صدام ؟ الكثير من الأسئلة مثارة الآن وستثار في المستقبل القريب على آلية اشتغال القضاء العراقي ، والحديث عن تأريخ نزاهته وشجاعته واستقلاليته، اسئلة من هذا الطراز وغيره سيكون من المهم جدا ايجاد الاجوبة المنطقية لها توافقا مع اتجاهات المشهد السياسي ومستقبل العراق والديمقراطية التي ننشدها ، بل ومن المهم البحث فيها بشكل عميق يتيح للمختصين البحث عن بنية تحتية قانونية تتواءم وتتوافق، ان لم تكن تنظم وتقود الاشتغال السياسي، ابتداء من قانون الاحزاب وانتهاء بحرية الاعلام وحماية الصحفيين من الذين مازالوا يحلمون بقطع الألسن وتكميم الأفواه وتحويل المشهد الاعلامي العراقي الى مشهد تهريجي بدل ان يكون مشهدا يراقب وينتقد ويساهم في تصحيح الاخطاء وكشف الفساد والمفسدين .
كتابة على الحيطان ..ملف القضية....
نشر في: 30 يونيو, 2010: 08:23 م