طالب عبد العزيز
لن نذهب بعيداً مع الفيزيائيين في سبر خرائط الكون العامة، بتفاصيلها المتعددة، لكننا نشعر بأنَّ الانسان في القرنين الاخيرين تمكن من طي صفحات المعرفة والطبيعة الكونية الى ابعد حد، على الرغم من سعتها واستحالة فهم ما تنطوي عليه، بالقياس الى عمر تكوينها المليوني.
وإذا اشتغل هؤلاء في تقصي الاسرار واستخلاص البدايات والنهايات والبحث عن حيواة أخرى خارج مجرتنا الصغيرة لديهم، فقد تقتصر همومنا وشجوننا- نحنُ فقراء المعرفة تلك- على الحدود الانسانية الضيّقة، التي تمس حياتنا بشكل مباشر، في العيش والتفاهم والوجود المتكافئ وامكانية النظر الى الحياة بوصفها ممارسة ممكنة، وتقع ضمن حدودنا الضيقة هذه.
بات بحكم العادة اكتشاف عقار طبيٍّ ما قضية ايجابية، واهتداء عالم بايولوجي الى نظرية علاجية عبرالخلايا الجذعية على سبيل المثال، مثار اهتمام وتقدير العالم، وهكذا يمكننا الحديث عن أيِّ ماكنة ومستحضر ومصل، بما في ذلك العلوم الانسانية، التي تصب في انتشال الانسان مما يعاني منه، إلا أننا قلما تنبهنا الى المخاطر التي ترافق ذلك، أو تنتج عنه، أو في ارتداد الطبيعة بفطرتها وناموسها العام على العابثين ، وإذا كنا ننعم بما بين ايدينا من المكائن والالات وخلاصات العلم فها هي ترتد علينا في مواطن كثيرة، حتى باتت تقض مضاجعنا، داخل اجسادنا وخارجها، وحفرت الهوى العميقة في عقولنا، واصبحت مرضاً انسانيا، يعاني منه الجميع، بما فيهم كبار العلماء والاطباء والباحثين، هل نقول بأن العالم كان آمنا قبل العِلم.
يقول (إس جيه بيرد) وهو باحث في مركز دراسة المخاطر الوجودية “ في منتصف التسعينات من القرن الماضي قالت المعلّمة: أنه إذا جرى ضغط كل ما حدث في السابق على كوكبنا في عام واحد فقط، فستظهر الحياة في أوائل مارس، وستظهر كائنات متعددة الخلايا في (تشرين الثاني) وستظهر الديناصورات في أواخر(كانون الأول) - ولن يظهر البشر في هذا المشهد حتى الساعة 23:30 عشية رأس السنة الجديدة. بمعنى لم يتبق لدينا سوى بضع دقائق مجازية حتى نصل إلى منتصف الليل، أي نهاية العالم. ولم يخطر ببالي أبدًا أنني سأعمل يومًا ما على نفس المشكلة، كباحث في مركز دراسة المخاطر الوجودية بجامعة كامبريدج.»
وفي الفصول الاولى من كتاب جورج فيغاريلو(تاريخ الجمال.. من عصر النهضة الاوربية الى ايامنا) نعلم على أن الجسد الانثوي، بترابه الاول، في بدئيته هو المعنى الحقيقي للجمال. فقد وصف لويس الرابع عشر الاميرة سافو التي ذهب لاستقبالها في اكتوبر العام 1696 بأنها:” رائعة الجمال”، عيناها ساحرتان، وفمها قرمزي، وخصرها فتّان... وفي القرن الثامن عشر حلت معايير جديدة للجمال، وأصبح من المستحيل أن يفهم المرء جمالاً مستوحىً من الله، فقد فصل عصر الانوار فصلاً عميقاً بين رؤية الجمال الانساني عن كل رؤية إلاهية. يقول روسو عن فتاة اسمها صوفي: “كانت عديمة الجمال ولكنها قادرة على الإغواء والادهاش.” اليوم، لا نعثر بين نساء الكون على امراة جميلة، أو مهما بلغت من الجمال خارج صالونات التجميل !!
سيأتي اليوم الذي يجرؤ فيه العلماء على القول باننا أقرب ما نكون الى الروبوتات، التي نعيش حياة كولاجية، تراجعت(تقدمت) فيها مستويات الذوق العام الى حدّ الاستهجان. كان الرسامون والشعراء والموسيقيون في عصر التنوير يقودون المجتمع خارج سلطة البلاط والكنيسة، عبر تنمية الذوق والارتقاء بالجسد وبالحس الانساني، لكنَّ النهايات لم تكن كذلك، بعد أنْ بات العمليات الجراحية التجميلية المحدد في مقاسات الجمال، لقد فرّغ الجسد الانساني والانثوي بخاصة من معانيه الأولى، ومعه يمكننا الحديث عن الشكل القادم للمرأة، الذي سيتبدل معه شكل الكون كله.