TOP

جريدة المدى > عام > هاني مظهر.. سحر المسافات الرومانسية في السطوح التعبيرية

هاني مظهر.. سحر المسافات الرومانسية في السطوح التعبيرية

نشر في: 15 مايو, 2022: 11:18 م

موسى الخميسي

تنحو اعمال الفنان هاني مظهر الى فن منظم شكليا يمزج النظري بالعملي، كدأبه الدائم حين كان يجازف تعبيريا في مزج الواقعي بالخيالي،

وهي حالة تؤدي الى ان يكون الرسام عرافا بدراية تبدو علنية وبصيغ لا تحمل اي غموض. فهو يعتمد المراقبة الواعية في تحقيق لوحاته التي تجمع بين الخط الذي يحدد الأشكال والخط الذي يتبع اتجاهاته العفوية أحيانا، ليجعل منها أجزاء متممة لبعضها، متداخلة ومتجاورة تعبرعن أهدافها الرمزية مستبعدا عامل الصدفة ومؤكدا على مهارة الصنعة من خلال الاهتمام بالعمق والحركة داخل اللوحة، وضبط المساحة المصورة ومداها الفضائي.

المساحات اللونية تتنفس هواءها من خلال حركة الاشخاص وتقابل السطوح واعتماد الايهام المنظوري والمدى التشكيلي التقليدي واستخدامهما كوسائل للتعبير، بحيث يجعل العلاقة المتبادلة بين هذه الاشياء - التي يجمعها سطح اللوحة الملون بالبني الغامق والبني الفاتح، الاخضر الحار والاخضر البارد، الرمادي الحار والرمادي البارد - تدور وكانها في مساحة متشابكة ببعدين.

يستخدم هاني اللون المسطح ذي التأليف المتداخل المتحرك ويتخطى بفضله العلاقات الداخلية بين مختلف سطوح اللوحة، إذ ان تجاور الألوان والعلاقة الناتجة من هذا التجاور في الأشكال المتداخلة يخلق الانطباع بعمق الموضوع وميزاته البصرية التي تستمد أصولها من بهرجة حركة اللون التي تدخلنا الى عوالم حسية، وكانه يمارس عملية لصق بتقنيات جديدة، الا ان هذا اللصق يتم عنده باللون وليس بالورق والمواد الايهامية الاخرى كما كان الحال عند التكعيبيين، وذلك من اجل تحويل مدلول هذه العناصر فيما لوعزلت عن الواقع الذي تنتمي اليه لتقود المتلقي الى تقصي حالات التجريد في عملية تفتيش عن الودائع الروحية التي تنعش حواسه.

عالمه لا يرتبط بظواهر الاشياء بقدر ما يرتبط بعالم الافكار، على الرغم من علاقته بالطبيعة والناس والشعر وحالات التصوف والحرف العربي، فهو يميل الى خلق تشعب في الاتجاهات الفنية على وحدة السطح الواحد، ويميل الى تنويع التقنيات لكي يبتعد عن جفاء البناء التقليدي، فهو ينحو الى الجمع بين التأليف المستمد من الطبيعة وبين الواقع والبنية المستقلة للمدى التصويري، اذ يبدأ اولا بتجريد بنية اللوحة وتنظيمها هندسيا، ومن ثم يدخل اليها الموضوع الذي يبقى على صلة بما يفكر به من اهداف. بهذه الطريقة تتآلف اشكاله من خلال اعادة الصياغة لتتوافق مع البنية الاساسية للسياق العام الذي يرمي اليه، فيحاول جعل كل شيء حسيا مجردا بغية الوصول الى الحدث الحقيقي دون زهد في استخدام الالوان، بل باستغراق جمالي لوني يحضر عادة منفعلا ومتواترا ومتراكما وعنيفا وممتلئا بالحماسة.

لوحاته تعكس تجربات تنضج يوما بعد يوم ومعرضا بعد آخر، يبتعد في تنفيذها عن الارتجال والعفوية ويصر على تجسيد الشكل وكأنه مدفوع باستخدام عناصره في واقع رؤيته للعالم الذي يحيطه بعد اجتزائها من محيطها الأساسي ونقلها الى اللوحة التي نجدها أحيانا تعبيرية رومانسية حالمة تأخذ صفة منفتحة بضربات الفرشاة العريضة وتراكمات الطبقات اللونية وما يتخللها من خطوط شفافة تعطي انطباعا اوليا بلون احادي، وهو الانطباع الذي يتولد من المزج البصري للخلفية الملونة والشبكة الخطية الافتح لونا، فتتفاوت أعماقها في عين الناظر تبعا لقوتها اللونية وما تشكله بالتالي من تحولات متناغمة داخل اللون الواحد المهيمن.

يحاول هاني مظهر، المسحور بعوالم الغرافيك الذي يقدمه الكومبيوتر، تمويه لوحته دون استبعاد للوعي الخلاق في مراقبة عملية التنفيذ، وهو جمع بين الصدفة والحركة الآلية والمراقبة الواعية يعينه على تجديد تجرباته ليجعلها كلاً بنيويا معقدا في وحدة السطح الفضائي المتواصل، الا انها بخطوطها المتشابكة والمتقاطعة تظل ذات صلةٍ ما بعالمنا المرئي وتكتسب حضورا ذا دلالة بفضل تقنيات خاصة تعتمد تأليفا متناسقا يحمل الدقة القصوى في رسم كل جزء من أجزاء الشكل بطريقة تستدعي تتابعا منطقيا لهذه المساحات الجزئية المترابطة بترافق وتقاطع شكلي ذي طابع تصميمي.

يعمد هاني في إثارة المشاهد للوحاته الى الابتعاد عن الغموض في أجوائها المنفتحة و المستندة في أحيان كثيرة على الالتماسات البصرية الهندسية بألوانها الحارة المتقدمة حينا والألوان الباردة المتراجعة حينا آخر، وبتوزيع متفاوت الأعماق، منتشر ومتداخل، متقلص وممتد، إذ تذكرنا ملامح اللوحة عنده بحقل تصويري بجوانبه التأملية التي تشبه موجات لونية ساطعة منظمة تجري داخل السطوح، يزيد من قوة هذه الألوان وعنفها أحيانا استعمال مساحات صافية من اللون بحيث ترى العين ما يشبه الهياكل المتلألئة وهي تحوي مساحات ساكنة مبنية على مبدأ التبادل المترابط بين الصورة والحركة وعنصر الزمن، بعيدة عن الإيهامات البصرية المضللة للعين، ترتسم بوضوح في مخيلة من يشاهدها وتعكس عالما غنيا بأشكال وإيحاءات ذات طابع غنائي خيالي حالم.

يقول هاني: “ كنا نفهم الرسم، هو ان نرسم الاشياء البصرية على انها محاكاة، مثلا ان نرسم شجرة او طبيعة، لكني لم ارسم هذه الاشياء، رسمت الخط، رسمت السطح ورسمت الاشياء التي ارشدتني الى العجين الذي يلمع في عروق الشكل. اعيد القول، ان الاشياء السمعية تلعب دورا كبيرا في تنفيذ اعمالي، صحيح ان البصريات شيء لابد منه، فنحن نشاهد يوميا، نقرأ، ننظر، نشاهد المعارض، باختصار، انه الوقود لتحريك العناصر الاخرى”.

قدرة هذا الفنان في العمل الأكاديمي أفادته في ترسيخ لغته الفنية الجديدة ومعالجاته المختلفة لسحر مناخها الانطباعي التعبيري وانضباط قيمها اللونية بشكل منهجي، كما انها قدمت له إمكانية لاختبارات الحقل البصري بتخطي الصورة المماثلة للواقع لكي يرى ابعد من هذا الواقع الذي يحيط به ويستنبط مفرداته وعوالمه الخاصة، وليكون أكثر تمسكا بالخط والشكل وقريبا للرمز والتأثير والإيحاء.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

هاتف الجنابي: لا أميل إلى النصوص الطلسمية والمنمقة المصطنعة الفارغة

جنون الحب في هوليوود مارلين مونرو وآرثر ميلر أسرار الحب والصراع

كوجيتو مساءلة الطغاة

علم القصة: الذكاء السردي

رواية "لتمت يا حبيبي".. إثارة مشاعر القارئ وخلخلة مزاجه

مقالات ذات صلة

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي
عام

تصورات مغلوطة في علم السرد غير الطبيعي

د. نادية هناويإنَّ الإبداع أمر عام لا يختص بأدب دون أدب ولا يكون لأمة بعينها دون غيرها كما لا يؤثر فيه تفوق مادي أو تقدم حضاري، بل الآداب تأخذ وتعطي ولا يهم إن كان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram