يوسف يوسفالقصص التي توقفنا امامها تلتقي في نظرتها الى اهمية دور المراة، وضرورة ان تحتل موقعها الي جانب الرجل. وهي انطلاقا من تشابه ستراتيجياتها، يجمعها المنظور الفكري الذي يحقق للمراة وجودها ككائن يتفاعل مع الواقع ويثـريه. انها قصص ضد رواسب التخلف، والعادات الفاسدة التي تعامل المراة على اساس انها سلعة تباع وتشترى.
لقد لاحظنا من ستراتيجيات النصوص السابقة، صورا لنضال المراة، وحرصها على ان تكون شريكا موازيا للرجل في عملية الصراع الاجتماعي والتغير. انه من النادر العثور على قصة ترسم شكلا لصراع بين رجل وامراة لانهما كائنان تفرق بينهما اسباب فسيولوجية حسب. وعليه فان الصراع كما يظهر ، يصب في مجري البحث عن منظومة اجتماعية، تجمع بين افرادها ولا تفرق، بصرف النظرعن ازمنة كتابة القصص، وهي ازمنة تغطي مرحلة طويلة، لعلها تبلغ نصف قرن، وعلى العموم فان ستراتيجيات النص القصصي في حالة المراة وقضاياها تمضي قي اتجاهات اساسية منها:1- الكشف عن الترابط العضوي بين ركني المنظومة الاجتماعية: الرجل والمراة وان هذه المنظومة لا تتحقق الا بهما معا.2- تحرير المراة ليس من التبعية فقط، وانما من حالة الاستلاب عموما.3- تحرير الرجل من نظرته الرجعية والاستعلائية التي تعد المراة مخلوقا دونيا.4- طرح فكرة تحرير المجتمع، كونها غاية ستراتيجيات النص القصصي الاوسع والاشمل.شهرزاد.. في قلب التاريخ(في زوجة الشاعر) للجزائري الطاهر وطار، نري كيف يلتقط القاص امراة من قلب المجتمع ثم يدفعها الى سلوك اجتماعي وفي نيته تقديم الادانة له.ويتمثل هذا السلوك هنا، بانعزال آسيا بطلة القصة عن المجتمع وتعاليها عليه، ولم يكن عبثا ابقاء اسيا على تلك الحالة من العزلة والاستعلاء، فقد اراد القاص الكشف عن تلك الفواصل الاجتماعية الطبقية التي تمزق المجتمع، ومنها الذي تتسبب بها اسيا. لقد كان من نتيجة هذا السلوك، ظهور شكل من العلاقة الزوجية الفقيرة، التي لا نكاد نرى لها حدودا معينة. فاسيا في عالم، وزوجها الشاعر في عالم اخر، لايكاد يجمعهما رابط. وكلاهما: الشاعر والزوجة، لم يستطيعا ان يقيما اية علاقة مع المجتمع حيث يعيشان ، ولا مع القارئ . ان الرجل هو المسؤول هنا عن سلوك زوجته، ذلك ان اسيا تتصرف وفي ذهنها انها زوجة شاعر كبير، لا يعترض على مثل هذا السلوك، بل انه يحاول التعاطي معه، على الرغم من اقتناعه ان سلوكها يقوم على الوهم اكثر مما يقوم على الحقيقة، لذا وبهدف ادانة سلوك الاثنين معا: الشاعر وزوجته فان القاص يبقي بطلته في عزلتها الخانقة، ولم يحاول تخليصها منها، ليس بسبب نزوع سادي، وانما بهدف تصوير بشاعة الانفصال عن المجتمع. وعلى عكس اسيا، فان تهامه في قصة (تقرير) للعراقي عبد المجيد لطفي، فتاة ناضجة، تصوغ حياتها بوعي. انها فتاة فريدة في طباعها وسلوكها. ولانها كذلك ليس ثمة هناك ما يدعوها الى العزلة وبناء جدران عالىة تفصلها عن عالم الرجل، ان كونها امراة، لا يشكل عبئا نفسيا عليها، فهي جديرة بان تحمل اعباء بنات جنسها. واذا كانت اسئلتها حول بهيج لاتهتم بالظاهر من حياته فان معيار الرجولة كما تتخيله، يرتبط بالثبات على المبدأ.انها بعكس اسيا الطاهر مطار، تنظر الى الحياة كلها والى جميع الناس الذين تعيش بينهم، وليس الى تهامة كفرد في هذا العالم. وفي (الكلمة الضائعة) للسوري مطاع صفدي، تعد فادية النقيض الاجتماعي لامها ذات النزوع الارستقراطي الذي يؤمن بالبهرجة والاضواء . من هنا فهي تختار طريق التحدي لترسم صورة عالمها الذي ترفض فيه الاشياء المتداولة، واللغة الدراجة حول القيم والعواطف والاحلام المسعورةـ وكل اشكال السلوك الاجتماعي الذي تمثله الام. لابد اذن من سلوك تفارق به عالم امها، وهذا ايضا ما ستحاوله زهرة بطلة قصة (وحدة امراة) للسوداني عبد الله عبد . لقد وجدت زهرة نفسها داخل غرفة تضغط عليها جدرانها وتضغط. انها بالشكل الذي يقدمها فيه القاص، تمثل حال المراة في المجتمع العربي. المراة المستلبة التي ترزح تحت عبء تقالىد صارمة. بيد ان نسق حياتها يشير الى بحثها الجاد عن حريتها، ابتداء من مغادرة القرية الى المدينة ، مرورا برفض الحجاب، وزهرة التي تنتجها ستراتيجيات النص الشهرياري (نسبة الى شهريار) ليست سهلة الانقياد، وبسبب كونها شخصية اعتراضية، فانها في اصطدام مستمر مع ما حولها، صحيح ان القاص لا يقدم صورة واضحة لمستقبلها وانه يتركها في ترقب مستمر، الا انه لا يتوقف عن تفجير الاسئلة التي يحاول من خلالها شحذ ذهن القارئ باستمرار من اجل ان يدفعه للمشاركة في تخليص زهرة من عزلتها. ان القارئ وكما نستنتج، امام خيارين لا ثالث لهما: فاما ان يختار الوقوف الى جانب زهرة، واما ان يقف الى جانب التقالىد التي تحاول قتلها . والسؤال الذي سيطرحه: هل تستحق زهرة كل هذا العذاب، وما هي الخطيئة التي اقترفتها ليكون العقاب بنبذها؟ وبصرف النظرعن الموقف الذي يتخذه القارئ، فان القاص يستطيع ان يقنعنا بصواب توجه البطلة وهو ما يستدعي العقوبة والنبذ.
شهرزاد.. حياة النصف الآخر والخروج من اقفاص الحريم
نشر في: 2 يوليو, 2010: 04:31 م