TOP

جريدة المدى > ملحق منارات > دهاليز الطاهر وطار

دهاليز الطاهر وطار

نشر في: 2 يوليو, 2010: 04:34 م

د. صلاح فضل  عندما يضع الكاتب في مقدمة عمله نصا يرتبط بالمخزون التراثي المقدس فإنه يوقظ في المتلقي حساسية دفاعية حادة، إذ لا يقبل منه عادة التعارض الصادم له، ولا يرضى منه بمجرد التوافق المندغم معه، بل يتربص به ليعرف كيف سيخرج من المأزق الذي وضع نفسه فيه.
والطاهر وطار الكاتب الجزائري الكبير الذي رضيت عنه _ حتى الآن جماعات الإنقاذ، إذ عرف كيف يلاعبها حتى يمشي بحرية في شوارع وطنه، يستهل روايته الجديدة المنشورة مؤخرا في القاهرة بعنوان “الشمعة والدهاليز” بمقدمة طريفة تحت عنوان (طاسين الصفر والواحد) يقول فيها: “إنما إبليس رفض الاعتراف بالتعددية، فتشبث بالا يسجد لغير الواحد، وبذلك أعطى للصفر قيمة تضاهي قيمة الواحد، بل أكثـر من ذلك جعل الواحد يفقد قيمته إذا انعدم الصفر، وتحول كل ما عدا الواحد الى صفر. وكل ماعدا الصفر الى واحد، وبغض النظر عن صيغ القلب الأخيرة التي لا تضيف للدلالة شيئا ذا بال، فإن التفسير الذي يقدمه الكاتب لمعصية ابليس غريب، وإن اعتمد على تأويل صوفي للحلاج، فإذا كان رفضه السجود لآدم إنكارا للتعددية وهي مصطلح حديث ينبغي إبعاده عن السياق الديني حفاظا على مقبوليته، فمعنى هذا أن أمره بالسجود الرمزي إيذانا بهذه التعددية، ثم كيف يستقيم في المنطق أن يصبح الرفض إعطاء للصفي - وهو آدم فيما يبدو _ قيمة الواحد بل العكس هو الصحيح، فرفض السجود هو الذي يعني بداهة عدم التسوية في القيمة وان اقترن بالمخالفة لكننا لا نستطيع أن نمضي في هذا الجدل الفكري مع الكاتب مهما كان مستفزا، لأننا لسنا بصدد خطاب فلسفي أو معرفي، وإنما نفتح رواية فنية نطالع فيها عالما متخيلا. أي كونا صفيرا يكون بمثابة تمثيل مجازي أو علامة على الكون الكبير، فإن عثرنا في عتبته النصية على عبارة ملتبسة كان أحري بنا أن ننتظر في تأويلها حتى تكتمل المطالعة ويتم المشهد الدلالي.نور الأروقةربما كانت كلمة “الدهليز” تلخص بطريقة أيقونية بارعة هذا العالم الروائي بسراديبه ومستوياته المختلفة، ففصول الرواية المتصلة، فيما عدا نجيمات خافتة، تقوم - كما ينبهنا الكاتب في تقديمه - بمثابة دهاليز بعضها للأحداث،وهي قليلة نسبيا، والآخر للحالات النفسية وعلائقها بتداخل واشتجار، ونموذج الدهليزالمكافئ مستقى من هيكل “أحد أضرحة بني أجد ار بقاهرت، حيث يجد الداخل قبالته ثلاث قاعات مفصول بعضها عن البعض بدهليز طوله بضعة أمتار، يتفرع من أول هذه القاعات عن اليمين وعن اليسار دهليزان متشابهان يفضيان الى هيكل ثان متركب بدوره من خمس قاعات.. الخ “. فنستشعر منذ البداية أن النص يمثل رؤية محصورة في نطاق الأضرحة تعاينها من الداخل، وتستعير نموذجها قالبا جماليا ووحدة معمارية، بحيث يصبح الزمن بدوره دهليزا هو الآخر، لكنه _ كما يقول صوت الشاعر في الرواية _ “دهليز كبير _ رغم ما نعتقده من أنه منار بشتى أنواع المعرفة فإنه مظلم، مظلم وغامض،غامض ومخيف.” والمشكلات الموضوعية التي يمتلئ بها هذا الهيكل تحضر أيضا في وعي صوت النص بامحبارها متاهة “ذلك أن القضايا كها فيه، تحضر في الآن الواحد، وتشكر ما يشبه زوبعة متواصلة، تظلم كلما ازداد الحاحنا على تأملها، لأنها لم تعد قضايا عاما كلية.” فالرواية إذن تلج بنا عالم المتاهة في المكان والزمان والمعضلات لتقول شيئا، لتوقد شمعة دلالية، فما هي هذه الشمعة الرمزية وكيف يتسرب ضوؤها عبر الدهاليز الحالكة، والى أية مساحة ؟ بوسعنا أن نتتبع حركة النص لنرقب تجليات هذه الشمعة تدريجيا كما يشف عنها سطحه، ثم نؤجل الحديث عن الريح التي تطفئها الى النهاية.ولأن الكاتب يلاعب الجماعات الدينية، وهو يعرف حاجتها الأيديولوجية الى التصريح المباشر دون مواربة أو حتى غلالة شفافة من الرمز الأدبي فإنه يلقمها المعادل الأول للنور منذ البداية في كلمات واضحة وان كانت تأتي على لسان الشاعر أيضا، قبل مصرعه وتحول صوت الرواية الى الغائب، “الإسلام هو الشمعة الوحيدة القادرة على إنارة كل الدهاليز والسراديب، الإنسانية في ظلمها الأخيرة، وشمعتها الوحيدة في انتظار هلول الهلال من جديد، هي الإسلام ».بوسع أصدقائنا أن يكفوا عن القراءة عند هذا الحد، لأن الكاتب الذي يدين بالتعددية، سوف لا يكتفي بهذه الشمعة الوحيدة، ومنجد تجليات أخرى للنور ليست شديدة المباشرة مثل هذه، لكنها عميقة المغزى والدلالة أيضا. من أهمها صورة المرأة التي تتمثل في شخصيتين في الرواية: احداهما شخصية العارم _ يا له من اسم _ وهي فتاة مجاهدة حسناء غررت بالضابط الفرنسي ابان حرب التحرير، وكانت خطيبة مختار القرية - فمنحت عدوها قبلة شهية وفكت أزرار سترته العسكرية لتكتفه بحزامه وتسوقه ذليلا للاسر، ومنذ ذلك الحين ظلت تتراءى في مخيلة الشاعر: في ثوبها العسلي الرجراج، وخمارها الأبيض الذي يلف رأسها، ويغطي عنقها الطويل، ثم ينحدر على كتفيها فيجعلها شبيهة بشمعة متقدة، يسيل الشمع على جوانبها”.أما المرأة الأخرى فهي الخيزران، أو زهيرة كما تسمى في واقع الرواية، والتي سوف تسيطر على الجزء الأخير من ال

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

برتولت بريخت والمسرح العراقي

برتولت بريخت والمسرح العراقي

د. عادل حبه في الاسابيع الاخيرة وحتى 21 من أيار الجاري ولاول مرة منذ عام 1947 ، تعرض على مسرح السينما في واشنطن مسرحية "المتحدثون الصامتون"، وهي احدى مسرحيات الشاعر والكاتب المسرحي الالماني برتولت...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram