وأنا أتابع منذ أيام التوتر على "خطوط التماس" قرب كركوك، تذكرت كلمة لكاتب مغربي غاب اسمه عني، يصف فيه حال العرب والمسلمين. وهو يقول إن القرون الثلاثة الماضية شهدت تحولا رهيبا بدأت تنخرط فيه البشرية جمعاء باستثناء أهل العالم القديم "نحن" فقد اعتزلنا داخل كهوف التاريخ والماضي وحرصنا على عدم الانخراط في طريقة الوعي والحياة الجديدة. لكن المشكلة مع القرن الحادي والعشرين انه قام بهدم كل الكهوف ولم يعد هناك مكان صالح للاختباء، وليس أمام عرب ومسلمي عصر العولمة سوى التقدم، أو الانقراض، خياران لا ثالث لهما.
ويوما بعد آخر يتزايد الحالمون بالتقدم ولا شك، وتفتح اجيال عيونها على الجديد ويريد شبابنا ان يعيشوا مثل نظرائهم في اليونان او البرازيل، لكن قوة ونفوذ الحالمين بالكهف تتزايد كذلك، وحين لا يجدون كهفا للاختباء فيه من تأثيرات العالم المتقدم، فإنهم يسارعون الى الحرب، والحرب طريق تؤدي الى الانقراض وتقوم بتصديق نبوءة كاتبنا المغربي الذي نسيت اسمه بسبب امتلاء رأسي بزعيق قياداتنا الرشيدة الذي لا ساس له ولا راس.
وابرز عراقي يبحث عن كهف هذه الايام هو سلطاننا ورئيس حكومتنا، اذ لم يعجبه الانخراط في العالم الحديث ولم يرق لمزاجه فن السياسة المعاصر ولم ينجح في الجلوس مع خصومه منذ خروج الجيش الامريكي قبل عام، فعاد يبحث عن ملاذ في العوالم القديمة، يثبت به هيبته ونفوذه، ولانه لن يجد كهفا يعزله عن تأثيرات الكون فإنه لن يمانع من قيادتنا نحو الانقراض.
وفي الحقيقة فإن شعبنا تعرض لما هو اخطر من الانقراض خلال العقود الاخيرة بسبب سياسات حكامه، وليتنا انقرضنا قبل ان نرى وضعنا المأساوي الذي صنعته فلسفة صدام حسين في محاولات اخضاع العالم، وقبل ان نغوص في وحل اليأس والاحباط والعجز الذي نحن عليه اليوم.
لقد دخلنا بعد رفع غطاء الاستبداد، مرحلة نعيش فيها مع قيمة التعدد والتنوع والانفتاح، ونحلم باللحاق بالامم التي رضي الله عنها وارضاها، فقرر السلطان في لحظة ان هذه مجرد "اضغاث احلام" فنقض من الدستور ما شاء وبدأ بالقاضي رحيم والشيخ صباح ولن يتوقف عند سنان الشبيبي، وهو مستعد اليوم لتحريك الجحافل، لا لكشف أوكار خلايا مسلحة تلحق به وبنا ٢٠ هزيمة في ساعة واحدة احيانا، بل للبحث عن "صولة أخرى" قد تجنبه دخول الانتخابات بلا رصيد.
الرجل دخل انتخابات ٢٠٠٩ بمنجز صولة الفرسان، ووعدنا بأن يكون منجزه المقبل في حقل التقدم التنموي، ثم اكتشف بعد ٤ اعوام ان تحقيق ذلك ليس من اختصاصه ولا اختصاص الطاقم الخبير المحيط به، فانتقل من نكسة الى اخرى وتلعثم وارتبك في التعبير عن نفسه. انه عاري اليدين امام استحقاق انتخابي مهم، يلتفت يمنة ويسرة فلا يجد سوى مليون جندي وميزانية ضخمة لم يحسن استخدامها. حاول ان يقنع الشعب بالخروج الى الشارع والتصفيق لمنجز "المفاوض العراقي" الذي "اخرج الامريكان" فلم يفلح، وحاول ثانية ان يجعل الشعب يصفق له لانه "سيعدم طارق الهاشمي ٤ مرات" فلم يفلح وجاءت مثل رصاصة فاسدة في جلد ميت. تحرش بهذا وتوعد ذاك لكنه لا يزال يتحسس بألم يديه الفارغتين أمام الشعب المقبل على اقتراع مجالس المحافظات، والشعب حائر منذهل لا يعرف كيف يغفر تخبط ملف التموينية او تلعثم الاسلحة الروسية.
يحدق سلطاننا في الشعب المذهول ويتحسس العصا القديمة التي حملها ألف حاكم جائر، ويبحث عن حرب. الحرب دوما تشغل الناس، وتصنع الابطال. والمحارب لا يحتاج منجزا اكثر من الحرب نفسها. والمشاعر المستفزة مهيأة كما تبدو لفريق المحاربين، كي تستيقظ. انه يجرب اليوم ان يلوح بخيار توتر امني قد يخفف من مأزقه السياسي. ولا احد من فريق السلطان فسر لنا لماذا وصلنا الى مرحلة "الدعوة الى ضبط النفس" بدل ان ندخل بشجاعة حوارا يضبط انفاس قراراتنا المتسرعة؟
في عصر العولمة الذي يرسم حدود القرن الحادي والعشرين، لم يعد امام السلاطين سوى ان ينخرطوا في الحلول الحديثة ومناخ التعدد السياسي وشرعيته، او ان ينقرضوا هم ومن يفكر على شاكلتهم. المدني الذي قتل في اشتباكات طوزخورماتو ظهر الجمعة كان ضحية قرارات الاتجاه الذي يفضل ان ينقرض على ان يتورط بمسار "التقدم". انه اتجاه يتنقل من كهف الى كهف هاربا من ضوء العصر الحديث، يحاول مشاغلة الجمهور بمعارك جانبية، ويتلعثم كل يوم في شرح مواجهات ثانوية، متملصا من حقيقة انه غير صالح الا لمشروع انقراض كبير يريد توريطنا جميعا بتبعاته. انه مشهد مثالي للجحافل على مشارف قضاء الدوز في الالفية الثالثة.
جميع التعليقات 2
فوزي مهدي
بعد قراءاتي لأعمدة المدى توصلت لفكرة اتمنى على الأستاذ سرمد الطائي طرحها في عمود مقبل له تركز على فكرة أهمية التخلص من الدكتاتورية الجديدة من خلال توحيد كل الجهود الوطنية لتحرير العراق لقيادة الرئيس البارزاني باعتباره القائد العام لقوات البيشمركة والأشايس
المدقق
المالكي قراراته متسرعة وغير حكيمة اما البرزاني فهو لقمان زمانه .... مالكم كيف تحكمون ؟؟؟؟ لقد اعمت الدنيا بزخرفها عيونكم وبتم لا تميزون الحق من الباطل ... لكنكم ستخسرون كما خسر كل افاك اثيم ......