حازم مبيضين لا يمكن لعاقل أن يفكر لحظة في فائدة واحدة يمكن لأي طرف أن يجنيها جراء استمرار الانقسام في الساحة الفلسطينية، وما يقال عن مكاسب لحظية وغير دائمة، تحققها حماس في غزة والسلطة في الضفة ليس أكثر من عزف على وتر التفتيت، فيما الخاسر الأكبر هو القضية الفلسطينية، وإذا كانت حماس تشعر بقرب انتهاء حصار غزة والانفتاح بشكل أكبر على الغرب،
وإذا كانت بعض الأطراف في السلطة تشعر بالرضى على تدفق أموال الدعم الغربي والدول المانحة، فان في ذلك دليلاً على أن انقلاب غزة الحمساوي لم يكن أكثر من صراع على المصالح والمراكز، وتغليب المصالح الفئوية والأجندات الخاصة على الاعتبارات الوطنية، ومصلحة الشعب العليا. رفض حماس للمصالحة وافتعالها الأزمة الأخيرة مع مصر نابع من رغبة بالاستمرار في الاستئثار بحكم غزة بما يحقق من مزايا، وهو محاولة لتثبيت الحركة كممثل شرعي للشعب الفلسطيني من خلال إقصاء السلطة وحركة فتح من الواجهة، وهي تظن أن المزيد من السفن على الطريق، وأن من شأن ذلك أن يعطي مزيداً من الزخم لقضية رفع الحصار من جهة، واعتماد الحركة كمحاور مع الغرب، وهي تفضل الانتظار لتتمكن من الاستفادة من حملات التضامن مع سكان القطاع المحاصر، لتتحاور مع فتح من موقع قوة.لا ندري كيف نتعامل مع حماس أو نفهمها وهي ترفض المصالحة الوطنية، وتناور حول الورقة المصرية، وترفض منح الحرية لألف أسير فلسطيني تعلن إسرائيل استعدادها للإفراج عنهم مقابل استعادة الجندي جلعاد شاليط بناءً على اقتراح الوسيط الألماني، نعرف وتعرف حماس ويعرف نتنياهو وكل بني البشر أن لا أهمية عسكرية لشاليط، فهو ليس أكثر من جندي اختطف قبل بلوغه العشرين، وأهميته تكمن في حرص الدولة العبرية على مواطنيها، وهو ما لم يتوفر في طول العالم العربي وعرضه، ولكم أن تتصوروا لو كان شاليط عربياً ما الذي ستفعله دولته من أجله. لا ندري أيضا ولا نفهم كيف تتعامل حماس التي توصف بالحركة الإسلامية مع ما أعلنه شيخ الأزهر من أن المصالحة الفلسطينية فريضة شرعية وواجب مقدس، وأن من يعرقلها أو يؤخرها آثم، إلا إن كانت حماس تحترم أكثر فتاوى ولي الفقيه بما يملكه من مال حلال لا يتوفر عند الازهر، وإلا إن كانت حماس ترفض حقيقة أنه لا يمكن مواجهة العدوان الإسرائيلي بالفرقة والخلاف، وإلا إن اعتبرت الأزهر تابعاً للخارجية المصرية التي تخوض معها حرباً دون كيشوتية رغم أن شيخه يشدد على نبذ التعصب الحزبي والفئوي والتسامي فوق الصغائر، ويؤكد أن وضع العراقيل في طريق واجب المصالحة الشرعي والمقدس إثم ومعصية وحسابها عند الله يوم القيامة.كل هذا التعنت إزاء المصالحة الوطنية، والاكتفاء من الوضع الراهن ببعض المكاسب الرخيصة ، يتم في أجواء استمرار الهجمة الاستيطانية التي حذر الاتحاد الأوروبي من أنها تجعل التوصل إلى حل الدولتين أمراً مستحيلاً، وأكد أن القانون الدولي يعتبر الاستيطان وهدم المنازل أموراً غير قانونية، وتشكل عقبة أمام السلام، وكل هذا التعنت يأتي في وقت تنخرط فيه حماس في التفاوض حول شاليط، وكأن فك أسره أهم من المصالحة الوطنية والمصلحة والوطنية، وكأن الاحتفاظ بموقع وظيفي هنا أو هناك أكثر إلحاحاً من توحيد الجهد الوطني في مواجهة الموقف الاسرائيلي، وكأن مناكفة السلطة وحركة فتح هدف مقدس تصغر وتتلاشى في سبيل تحقيقه كل الاهداف التي دفع الشعب الفلسطيني لبلوغها دم خيرة شبابه الذين استشهدوا، وأجمل سنوات عمر الاسرى منهم، وكأن كل الأثمان الباهظة التي دفعت لا تساوي احتفاظ الحماسيين بحكم إمارة غزة.
خارج الحدود: المصالحة الوطنية والمكاسب الرخيصة
نشر في: 2 يوليو, 2010: 04:59 م