TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: محفظة وجكسارات!!

العمود الثامن: محفظة وجكسارات!!

نشر في: 23 مايو, 2022: 10:56 م

 علي حسين

دائماً ما يواجهني قرّاء أعزّاء بسؤال: لماذا تعود دوماً إلى تجارب الشعوب وتستعير الحِكَم والأمثلة من بطون الكتب؟ البعض من القراء يضيف: هل تتوقع أن ساستنا ومسؤولينا يهتمون لذلك؟ وأنهم سيطيلون النظر في سطور تتحدث عن حجم الخراب الذي يعيش فيه العراق؟ .

أنا أيها القراء الأعزاء، لا أريد من ساستنا الأكارم أن يمضوا أعمارهم في متابعة ما ينشر في الصحف، كل ما أريده وأتمناه أن أشاهد سياسياً أو مسؤولاً يؤنّبه ضميره وهو يشاهد كيف يعيش فقراء العراق، لا أقبل أن يفرح العراقي وهو يشاهد جورج قرداحي يذكّره بأن بغداد كانت أنظف وأجمل قبل أربعين عاماً، ولا أريد لأمثال قرداحي أن يقدموا لنا دروساً ومواعظ في السياسة وبناء البلدان والوطنية، في الوقت الذي فيه جورج قرداحي احوج الى هذه المواعظ والخطب .

أعرف جيداً أن الكثير من القرّاء الأعزاء يجدون في حديثي عمّا يجري في بلدان العالم نوعاً من الترف لا يهم المواطن البسيط المبتلى بأنباء " العجاج " وغياب الكهرباء والغلاء ، ولكن اسمحوا للعبد الفقير أن يتحدث عن السيدة أنجيلا ميركل التي كانت مالئة الدنيا وشاغلة الناس ، وكانت وصورها تتصدر صحف العالم، وكيف اختفت أخبارها بين ليلة وضحاها وتحولت بعد تركها لمنصب المستشار إلى مواطنة عادية تتسوق بمفردها من دون حمايات ولا مصفحات، ولا ضجيج، ولا صور لعشرات السيارات الحديثة ترافق موكب ساستنا، حتى أننا قرأنا في الأخبار قبل مدة أن السيدة ميركل تعرضت لحادث سرقة أثناء التسوق في متجر للمواد الغذائية في برلين، حيث سرقت منها محفظتها. وكأي مواطن عادي أبلغت ميركل الشرطة بالحادثة ، وكانت محفظة ميركل المسروقة تحتوي على بطاقة هويتها الشخصية ورخصة قيادة ونقود. وذكرت إحدى الصحف، أن المحفظة كانت في حقيبة معلقة على عربة التسوق. وكان يرافق ميركل أثناء التسوق في السوبر ماركت حارس شخصي واحد على الأقل من مكتب الشرطة الجنائية الاتحادية. ستقول مثلي ما أعظم المسؤول حين يؤمن أنه إنسان عادي في زمن يصر فيه المسؤول والسياسي العراقي على أن لا يخرج إلى الشارع إلا وأفواج الحمايات تحيطه من كل جانب، خوفاً من نظرات الحسد التي يحملها الناس له .

أنظر إلى صورة ميركل وهي تقف وسط السوبر ماركت تتحدث مع البائع، وأنظر إلى ملامح بعض مسؤولينا، وهم ينذرون الناس بالويل والثبور وعظائم الأمور، أذا لم يجلسوا على كرسي السلطة .

أرجو ألّا يظن أحد أنني أحاول أن أعقد مقارنة بين ميركل وأصحاب الفخامة، لكنني أحاول القول دوماً، إنه لا شيء يحمي الشعوب من الخراب سوى مسؤولين عرفون معنى التواضع وينظرون إلى العراقي باعتباره شريكاً لهم في الوطن، وليس مجرد نزيل.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. ابو طارق

    لو تزور وترى مخيمات النزوح عند ( العجاج )

ملحق معرض العراق الدولي للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: نصف قرن من التفوق

البَصْرة.. لو التَّظاهرُ للماء والنَّخيل!

العمود الثامن: نون النسوة تعانق الكتاب

كلاكيت: في مديح مهند حيال في مديح شارع حيفا

التلوث البيئي في العراق على المحك: "المخاطر والتداعيات"

العمود الثامن: سياسيو الغرف المغلقة

 علي حسين في السبعينيات سحرنا صوت مطرب ضرير اسمه الشيخ امام يغني قصائد شاعر العامية المصري احمد فؤاد نجم ولازالت هذه الاغاني تشكل جزءا من الذاكرة الوطنية للمثقفين العرب، كما أنها تعد وثيقة...
علي حسين

زيارة البابا لتركيا: مكاسب أردوغان السياسية وفرص العراق الضائعة

سعد سلوم بدأ البابا ليو الرابع عشر أول رحلة خارجية له منذ انتخابه بزيارة تركيا، في خطوة رمزية ودبلوماسية تهدف إلى تعزيز الحوار بين المسلمين والمسيحيين، وتعزيز التعاون مع الطوائف المسيحية المختلفة. جاءت الزيارة...
سعد سلّوم

السردية النيوليبرالية للحكم في العراق

احمد حسن تجربة الحكم في العراق ما بعد عام 2003 صارت تتكشف يوميا مأساة انتقال نموذج مؤسسات الدولة التي كانت تتغذى على فكرة العمومية والتشاركية ومركزية الخدمات إلى كيان سياسي هزيل وضيف يتماهى مع...
احمد حسن

الموسيقى والغناء… ذاكرة الشعوب وصوت تطوّرها

عصام الياسري تُعدّ الموسيقى واحدة من أقدم اللغات التي ابتكرها الإنسان للتعبير عن ذاته وعن الجماعة التي ينتمي إليها. فمنذ فجر التاريخ، كانت الإيقاعات الأولى تصاحب طقوس الحياة: في العمل، في الاحتفالات، في الحروب،...
عصام الياسري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram