ترجمة: عدوية الهلالي
في فيلمه الطويل الرابع (مسافرو الليل)، يعيد المخرج الأمريكي ميخائيل هيرز بناء باريس في الثمانينيات ويقدم دورًا رائعًا للممثلة شارلوت غينزبورغ. اذ تعد سينما ميخائيل هيرز واحدة من افضل اسرار السينما الفرنسية ومن بين اشهر افلامه (ذكرى هذا الصيف)
و(خط الذاكرة) و(اماندا) الذي اختطف جائزة أفضل فيلم وأفضل سيناريو لعام 2018 في مهرجان طوكيو السينمائي، وهذه الافلام هي جواهر شفافة تستحق صدى نقديا واهتماما اكبر..اما آخر افلامه (مسافرو الليل) فيمكن ان يمنحه نجاحه الحقيقي فقد كان من اجمل الافلام الاجتماعية التي عرضت في مهرجان برلين السينمائي بدورته الثانية والسبعين في شباط الفائت..
ويتناول هذا الفيلم قصة احدى العوائل في باريس في الثمانينيات، والذي يمكن أن يجسد سيرة المخرج الذاتية جزئيًا، ويعيد الفيلم المشاهد إلى فرنسا خلال أيام البث الإذاعي الليلي والدراجات البخارية، والتليفونات الارضية، ولف الكاسيت.سنتعرف في الفيلم على اليزابيث التي تركها زوجها للتو وصار عليها ان تعيل ابنيها المراهقين وهما الفتاة جوديث والفتى ماتياس، لذا تبحث عن عمل وتجد وظيفة في برنامج اذاعي ليلي، ثم تلتقي ب(تالولا)، وهي فتاة صغيرة عاطلة تقوم برعايتها وتكتشف تالولا لأول مرة دفء المنزل والحب الأول مع ماتياس، بينما تشق إليزابيث طريقها لوحدها، ربما لأول مرة. وتبدأ حياة عائلية جديدة يميزها الحب والكفاح ضمن أسرة تعيد بناء نفسها بعد الطلاق..
ويكمن أفضل ما في الفيلم بالتحديد في إعادة البناء المخلصة لزمن ليس ببعيد جدا لكنه يختلف عن زمننا الحالي أي قبل ازدهار الإنترنت..ويعمل ميخائيل هيرز في الفيلم على تطوير سيكولوجية شخصياته بتأن، مايجعل جمال حياة الشخصيات المتواضعة يلامس الروح..اذ ان قلة من صانعي الأفلام يعطون انطباعًا، مثل ميخائيل هيرز، بأنهم يبحثون عن الجمال، من دون خجل أو عاطفة، ومن دون الحاجة إلى تبرير ذلك أيضًا. فالعالم يحمل الكثير من الجمال مقابل وحشيته.. ويتربص المخرج دائمًا على أبواب أفلامه مواصلا البحث عن الجنة المفقودة، ومحاولًا إصلاح الجروح، وإعادة حياكة شرنقة الحياة بلا كلل، والبحث عن مكان، وصيغة، ونمط من العلاقة، حيث يمكن للناس أخيرًا من يفعلوا القليل من الخير لأنفسهم. وقد ركز المخرج بشدة على سنوات الثمانينيات حيث كان ميتران قد انتخب للتو. وكان الأمل به ورديا، حتى لو لم يدم طويلا، اذ كان الابتهاج واضحا من خلال اللقطات الأرشيفية وكانت تنبعث حلاوة كبيرة من ذلك التاريخ الذي يبدو صامتا..كما انه يركز في افلامه على وجودنا الجريح في هذا العالم فهو يعيد غالبا تشكيل خريطة الصداقات والحب بعد الموت والانفصال داعيا الناجين الى مواصلة الحياة..لذا ينبغي على الغاضبين والعدوانيين والمتشدقين ان يبتعدوا عن مشاهدة افلامه لأن ميخائيل هيرز يرفض كل مااصبح عليه العالم المعاصر من جفاف وحرب مستمرة بين الجميع ويدعوالجميع الى الحب والجمال..