TOP

جريدة المدى > ملحق اوراق > فوتوغرافيا الحرب .. الالتفات إلى ألم الآخرين

فوتوغرافيا الحرب .. الالتفات إلى ألم الآخرين

نشر في: 3 يوليو, 2010: 04:34 م

سوزان سونتاغفي يونيو 1938 نشرت فيرجينيا وولف كتابها «ثلاثة جنيهات» الذي ضم تأملاتها الجريئة غير المحببة عن جذور الحرب. وقد اعتبر هذا الكتاب ــ الذي وضع في العامين السابقين، في وقت كانت الكاتبة وأصفياؤها وزملاؤها الكتاب مأخوذين فيه بتقدم العصيان الفاشي في إسبانيا ــ
ردًا متأخرًا علي رسالة تلقتها من محام بارز في لندن سألها «كيف يمكن لنا في رأيك أن نمنع نشوب الحرب؟»، وبدأت وولف بملاحظة لاذعة هي أن الحوار الصادق بينهما قد لا يكون ممكنًا، فرغم أنهما ينتميان للطبقة نفسها؛ «الطبقة المتعلمة»، فإن ثمة هوة واسعة تفصل بينهما: فالمحامي رجل وهي امرأة. والرجال يشنون الحروب، والرجال (معظم الرجال) يحبون الحرب، أو هم على الأقل ــ يجدون فيها «قدرًا من المجد، والضرورة، وبعض الإشباع في القتال» لا تسعى النساء (معظم النساء) إلى بلوغه، فماذا يمكن لامرأة متعلمة مثلها ــ أي متميزة، ميسورة الحال ــ أن تعرف عن الحرب، وأيمكن لردود فعلها على أحوالها أن تكون شبيهة بردود فعله؟ وتقترح وولف اختبار هذه «الصعوبة في الاتصال» بالنظر إلى بعض صور الحرب التي كانت الحكومة الإسبانية المحاصرة ترسلها مرتين أسبوعيا للمتعاطفين في الخارج. وقالت لنرى «ما إذا كنا نحس نفس الشعور حين ننظر إلى نفس الصور».. واستطردت تقول: «وتحوي مجموعة هذا الصباح صورة ما يمكن أن يكون جسد رجل، أو امرأة، وهي مشوهة إلى حد أنها قد تكون صورة جسد خنزير، لكن هؤلاء بالتأكيد أطفال ميتون، وهذا بلا شك جزء من منزل، مزقت قنبلة جداره، ومازال هناك قفص طيور يتدلي فيما يفترض أنه كان قاعة جلوس».. ولا يستطيع المرء دائمًا أن يتبين الموضوع، فقد بلغ تدمير اللحم والحجر الذي تعكسه هذه الصور حدًا بالغًا.. وتقول وولف للمحامي «وأيا كان اختلافنا في التعليم، وفي التقاليد» فإننا «نحن» (وهنا تعني «نحن» النساء) وأنت قد تثور لدينا نفس الاستجابة: «فأنت تقول إن الحرب رجس، وحشية، وينبغي وقفها أيا كان الثمن، ونحن نردد كلماتك.. الحرب رجس، وحشية، وينبغي وقفها».من الذي يؤمن اليوم بأن من الممكن القضاء على الحرب؟ لا أحد، ولا حتى دعاة السلم، فكل ما نأمله (وعبثًا حتى الآن) هو أن نوقف الإبادة الجماعية، وأن نقدم إلى المحاكمة أولئك الذين يرتكبون انتهاكات صارخة لقوانين الحرب (فللحرب قوانين ينبغي أن يلتزم بها المقاتلون)، وأن نوقف حروبًا محددة بفرض بدائل تفاوضية للنزاع المسلح، لكن الاحتجاج ضد الحرب ربما لم يكن ليبدو عقيمًا أو ساذجًا إلى هذا الحد في ثلاثينيات القرن الماضي، ففي عام 1924 ــ وفي الذكري العاشرة للتعبئة الوطنية في ألمانيا من أجل الحرب العالمية الأولي ــ نشر أرنست فريدريك أحد رافضي الخدمة العسكرية لاعتبارات أخلاقية «الحرب ضد الحرب!»، وهو ألبوم ضم أكثر من مائة وثمانين صورة فوتوغرافية أخذت أساسًا عن المخطوطات العسكرية والطبية الألمانية، وكان الرقباء الحكوميون قد اعتبروها كلها تقريبًا غير صالحة للنشر أثناء سير الحرب.. ويبدأ الكتاب بلعب من الجنود والمدافع، وغيرها من اللعب التي يتسلى بها الصبيان في كل مكان، وينتهي بصور مأخوذة عن المرافق العسكرية.. إنها الصور الفوتوغرافية كعلاج بالصدمة، وفيما بين لعب الأطفال والمقابر يشاهد القارئ جولة مصورة أليمة لأربع سنوات من الدمار والمذابح والمهانة: كنائس وقلاع مدمرة ومنهوبة، قرى محيت من الخريطة، غابات اجتثت، بواخر ركاب نسفت، سيارات حطمت، رافضون للخدمة العسكرية شنقوا، جنود في سكرات الموت بعد هجوم بالغازات السامة، هياكل عظمية لأطفال أرمن... إلخ.ولا يفترض فريدريك أن هذه الصور المفجعة المقززة تتحدث بنفسها، فقد وضع تحت كل صورة تعليقًا حادًا بأربع لغات (الألمانية والفرنسية والهولندية والإنجليزية)، وتحوي كل صفحة تنديدًا بالأيديولوجية العسكرية وسخرية منها، وسرعان ما نددت الحكومة الألمانية ومنظمات المحاربين القدماء وغيرها من المنظمات الوطنية بالكتاب ــ وفي بعض المدن أغارت الشرطة على المكتبات ورفعت الدعاوى ضد عرض الصور علنًا ــ ورحب الكتاب والفنانون والمثقفون اليساريون بإعلان فريدريك الحرب ضد الحرب، فضلاً عن كثير من الروابط المعادية للحرب، وتوقع هؤلاء أن يكون للكتاب أثر حاسم على الرأي العام، وبحلول عام 1930 كان كتاب الحرب ضد الحرب قد أعيد طبعه عشر مرات في ألمانيا، وترجم إلى كثير من اللغات.وفي عام 1928، وفي ميثاق بيلونج ــ برياند، نددت خمس عشرة دولة ــ من بينها الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا العظمى وألمانيا وإيطاليا واليابان ــ بالحرب كأداة للسياسات الوطنية. وجذب فرويد واينشتاين إلى الجدال بعد أربع سنوات، في رسائل متبادلة نشرت بعنوان «لماذا الحرب؟»، أما «ثلاثة جنيهات» ــ الذي ظهر قرب نهاية نحو عقدين من التنديدات المدوية بالحروب وأحوال الحروب ــ فقد كان أصيلاً ــ على الأقل ــ في تركيزه على أمر كان يعتبر واضحًا بحيث ل

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق عراقيون

الأكثر قراءة

مقالات ذات صلة

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

دستويفسكي جوهر الروح الإنسانية

لكن الفكرة المركزية التي سيطرت على دستويفسكي كانت الله والذي تبحث عنه شخصياته دائما من خلال الأخطاء المؤلمة والإذلال.يقول دستويفسكي على لسان الأمير فالكوفسكي في رواية مذلون مهانون (.... لكنك شاعر ,وأنا إنسان فان...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram