طالب عبد العزيز
أجد أنَّ المقولة الشعبية (الخيرُ يخصُّ والشرُّ يعمُّ) مناسبة هنا، للحديث عن الصورة المجملة لأداء الحكومة العراقية، بعد انتشار الفساد وخراب النفوس والبلاد، من الشمال الى الجنوب، حتى بات أيُّ حديث عنها ينحدر الى السوء، ولا نجد لها من مادح، حتى ضاعت أعمال الخيرين، وذهبت دونها كلمات الشكر والثناء، أقول هذا وانا أستمع لتسجيل صوتي لمحافظ البصرة المهندس اسعد العيداني وهو يوضح (محزوناً) خطة الحكومة في معالجة قضية منارة جامع السراجي، التي تعترض توسعة طريق ابي الخصيب.
أقول: (محزوناً)، لأنه وجد في صفحات بعض المواطنين، بصريين وعراقيين، من الذين علقوا على قضية المنارة حملةً تندد بما ستقوم به الشركة المنفذة، من هدم للمنارة، دونما اشارة الى عمله في توسعة الطريق، الذي كان عقدة سكان ابي الخصيب الازلية، غير مشيرين الى ما تحقق على يده في السنوات الخمس الماضية، من بناء الأحياء السكنية في المدينة، وتوسعة في الشوارع، وجملة المشاريع الخدمية، وقد ورث عن الحكومات المحلية السابقة ارثاً ثقيلاً من التخبط والتلكؤ والفساد. لست هنا في وراء إطراء عمله، والتزلف اليه، فما انا ممن يفعل ذلك، لعلمي بأنَّ ما يقوم به هو ما ينبغي عليه القيام به، ويقعُ في صميم مهامه، بإدارة شؤون مدينته، لكنَّ هذا لا يعني عدم الاشارة الى ما تحقق في عهده.
هناك مشكلة عراقية بامتياز، خلقتها ظروف البلاد، ويبدو أنها موروثة عن عقود طويلة، هي عدم الرضا عن الحكومة، فالمواطن العراقي لا يرى في تحقق المشاريع وتقديم الخدمات له إلا في صورة المسؤول الاول، وهذا إرث دكتاتوري بامتياز ايضاً، فهو يلقي باللائمة كلها على عاتق زعيم الوحدة الادارية، غير معني بالنظام الحكومي القائم، والتشكيلات الادارية، أوحلقات تنفيذ المشاريع. ففي قضية منارة جامع السراجي مثلاً- وهنا أتحدث كرجل ولد بالقرب منها، فهي أول معلم مرتفع، رأته عيني في السماء، قبل أكثر من ستين سنة، وأحتفظ بصور عديدة له- وأشهد الله بأنَّها كانت لا تضايق الشارع، يوم كان عدد السيارت في ابي الخصيب كلها، من كوت الزين الى السراجي، لا يتجاوز عدد أصابع الشخص الواحد.
لكننا، نتحدث اليوم عن قضاء يناهزُ عدد سكانه ثلاثة ارباع المليون، بعد تقطيع البساتين وتحويلها الى أراض سكنية، واتخاذ عشرات الالاف من البصريين وغيرهم، منه سكناً، الامر الذي استدعى توسعة الشارع، وكان واضحاً أنَّ قبّة ابي الجوزي ومنارة السراجي تعترضان التوسعة هذه. وهنا، لا بد من أنْ نقف على حدود قضية يتقاسمها الجميع، فالمعلمان أثريان، يتجاوز عمر كل منهما الثلثمائة سنة، ولا بدَّ من تعاضد الجهود للوصول الى نهاية تتماشى مع حرص المواطن في إيجاد شارع واسع، يحفظ حياته من المخاطر، ويسهل عليه استعماله من جهة وحفظ آثار المدينة من جهة أخرى، مع علمنا بأنَّ طريق ابي الخصيب يمر بأملاك شخصية لا يمكن التجاوزعليها. وحسن فعل المحافظ في تسجيله الصوتي بتوضيح القضية، والذي بين فيه بأنَّ دائرة الآثار والوقف السني والشركة المنفذة يعملون على ترقيم طابوق المنارة، وإعادة بنائها ثانية، في موضع داخل حدود المسجد، حفاظاً عليها بوصفها أثراً تاريخياً.
من يستعمل سيارته اليوم ويقوم بجولة في ارجاء البصرة سيجد الفرق الذي تحقق، وسيرى مدناً سكنيةً جديدة، وحركة بناء غير مسبوقة. كانت اختيارات المواطن البصري محدودة في مناسبات الاعياد أو استراحة نهاية الاسبوع، فعدد المطاعم محدود ايضاً، والكازينوهات كلها من الدرجة الثالثة والشوارع النظيفة والمشجرة لا تكاد تذكر، ولعل حركة بناء المستشفيات والمدارس والجامعات الاهلية وغيرها شاهدٌ أكيد على ذلك. البصرة اليوم مقصد اهلنا في محافظات الجنوب والوسط، مدينة مختلفة، تستعجل النهوض، وتسابق المدن الاخرى، وربما نجد من يقول بأنَّ ذلك ما قام به القطاع الخاص والشركات الاهلية، ولا فضل للحكومة المحلية فيه. فنقول:الحضارة جهد فردي، وهل قامت المدن في العالم بغير الجهود الخاصة؟