ترجمة: ايمان قاسم ذيبان((ربما أخرج هذه اللحظة او اللحظة التي ستليها، قد يكون ذلك غداً او بعد أسبوع، الا ان (ربما) تلاشت بمرور الوقت و بقى كل شئ على حاله زهاء ثلاثة عشر عاماً في مكان ابسط ما يقال عنه السجن )) من كتاب ذكريات الحرب الأخيرة.
حدث كل شئ في ربيع عام 1972 في مونتفيديو، عندما طرق العساكر باب المؤلف (كارلوس ليزغانو) بقوة واخبروه إن يرتدي ملابسه وحذائه بالسرعة القصوى وأن لا يأخذ شيئاً من أغراضه لانه لا يحتاج اليها. بعد هذه الحادثة، انتهى كل شئ و لم ير احد ليزغانو في الحي القانط فيه مدة ثلاثة عشر عاما.ً في تلك الاثناء وفي الاورغواي، كان السجن الاصلاحي الخاص بالسجناء السياسيين قد افتتح للتو وأطلق عليه (المؤسسة العسكرية للسجن والاعمال الشاقة /رقم واحد). وشاءت المصادفة الجغرافية إن تكون هذه المؤسسة على مقربة من مدينة ليبرتاد ومن هنا حملت اسمها الذي تردد صداه فيما بعد (سجن ليبرتاد). وهو ذات المكان الذي قضى فيه ليزغانو ثلاثة عشر عاماً بتهمة الانضمام لعصابة (التوباماروس).تعرض هناك لشتى انواع العذاب الجسدي والألم النفسي الذي تفاقم عندما انتهى إليه خبر وفاة امه وانتحار أبيه وعلم بتمديد مدة بقائه في زاوية متهدلة الاركان اسماها (سجن الحرية).مع ذلك، انطوت الكلمات القاسية على كثير من الحقائق الايجابية فقد أصبح (ليزغانو) وعبر المكوث في زنزانته المنفردة كاتباً مميزاً يشعر بنبض الجمل وفحواها ووقع ما يكتبه على القارئ. في البداية تأثر بمؤلفات كافكا وسلين فضلاً على إعمال بوزاتي ليصبح اليوم واحداً من كبار الكتاب في العالم الاسباني.وقد كشفت خربشاته المتزاحمة على الجدران الكئيبة والمظلمة في معتقلات مونتفيديو، والمعبر عنها في كتاب (ذكريات الحرب الأخيرة)، عن وحشية الاجهزة الدكتاتورية وإجراءاتها المدمرة للذات. لم يهيء الكاتب شيء لذلك، إذ انكب وهو في الثانية والعشرين من العمر على إكمال دراسته في الرياضيات وحاول مراراً في المعتقل التركيز على المسائل المنطقية وحلها، الى ان قرأ ذات يوم وهو جالس في المكتبة عملاً جديدأ للصحفي والروائي (بوزاتي) بعنوان (المرسلون السبعة) الذي يصف قصة سبعة مراسلين يبعثون الى مدينة ما ليلتقوا فيها بعد غياب دام ثمان سنوات وستة اشهر وخمسة عشر يوماً. ترك هذا الكتاب اثراً بالغاً في حياته، فهو لم يدرس الغايات التي كتب من اجلها فحسب بل وحاول نقل الحدث بطريقته الخاصة لتكون وسيلة تحثه على الكتابة.في بادئ الأمر، لم يفكر بتأليف كتاب، فالكتابة بالنسبة اليه اسلوب للسيطرة على افكاره ولكي لا يسقط في زحمة التأملات والتصورات.شيئاً فشيئاً ازدادت مواهبه الأدبية لتتوج بكتابة رواية (عقلية)، رواية سطر كل ماهو أساسي على بضع صفحاتها بخط مجهري وغير مقروء وغير واضح أحيانا. مزجت هذه الرواية بين البحث عن الحرية وفرار الجناة من العقاب في ظل نظام دكتاتوري يوفر لهم الحماية الدائمة.ويعد هذا العمل بالأساس بحثاً صحفياً للقصة المصيرية الرائعة للشاعر والمفكر الأرجنتيني (جوان جيلمان) وعائلته. ففي عام 1976 وبعد الانقلاب العسكري على الحكومة، نفي جيلمان إلى المكسيك بينما اعدم ابنه ذو العشرين عاماً على الفور ووجدت جثته مخبئة في خزان كبير وقد مضى عليها ثلاثة عشر عاماً.في تلك الأثناء اختفت زوجة ابنه الحامل في ظروف غامضة وبات الياس يراود قلبه الا انه تلقى عام 1978 وعن طريق الفاتيكان رسالة مجهولة المصدر كتب عليها: (لقد ولد طفلك)وعلى ضوء هذا الدليل بدأ جيلمان بحثه الذي استمر زهاء عشرين عاماً يحدوه الأمل في العثور على الطفل و معرفة الحقيقة. وبعد أن أمضى (ليزغانو) عشر سنوات في السجن، اقترح عليه أحد الموقوفين الذي تربطه به صداقة حميمة وهو يهم بالخروج من السجن بعد انتهاء مدة حبسه ان يأخذ نصوصه القصصية معه. وقد اعتاد هذا الموقوف على حمل غيتار حديث في يديه إلا إنه عندما جلب له ليزغانو مسودة عمله، وضع غيتاره جانباً واخذ يتصفح القصاصات التي امامه. وهكذا، وصل كتاب ليزغانو الأول إلى القراء حتى قبل خروجه من المعتقل.بدا سجن الإصلاح أول مرة وكأنه مخيم معزول وبعيد عن العالم وثمة من اخبر المؤلف عن أحداث خطيرة ومحاولات متوقعة لإنهاء حياة السجين سيما اذا طالت مدة اعتقاله. وسرعان ما أفصح له المحققون عن المعلومات التي وصلتهم عن القطعات المحتشدة خارج المدينة وهي تتأهب لشن حرباً عنيفة بهدف الإطاحة بالنظام القائم وإعلان الثورة رسمياً وبعد مرور عدة أيام أوضح له المحققون دوره في هذا الانقلاب والذي ينحصر في مراقبة ضباط الليل.مر الوقت دون حدوث شئ، فلا الحرب اندلعت ولا الحشود هجمت ولا الرؤية الموسومة بالحرية اتضحت او توضحت، بل كانت الحقيقة الوحيدة هي الزنزانة او ماسمي بـ (صحراء التارتار) التي لا يسودها سوى الحبس والانتظار والتمدد غير المألوف للوقت في ظل تصاعد العبثية التي يصاحبها اضطراب واضح في عقلية السجين.كتب ليزغانو عن كل هذه الامور دفعة واحدة. فقد أراد تأليف هذه الرواية على خطى بوزاتي، ولان اي كاتب (في اعتقاده) يمارس الكتابة ليتواصل مع اسلافه تماماً مثلما فعل بيكاسو عـندما رسم لوحته (مينن) ليتحاور مع الر
تحية لأدب المعـتقـل...
نشر في: 3 يوليو, 2010: 04:58 م