علي حسين
بين الحين والآخر تصل إلى بريد (المدى) رسائل يعتقد أصحابها، وهم على حق بالتأكيد، أننا كتاب أعمدة الرأي نشكو ونولول، لكننا نعجز عن تقديم بديل لما موجود على أرض الواقع، ولأننا، مثل أصحاب الرسائل، لا حول لنا ولا قوة، ولا ، لانملك إلا أن نكتب ونقترح، هي محاولات بسيطة لا تحتاج إلى تنظيرات ولا قواميس، بل إلى سياسيين يعرفون معنى العمل والإخلاص ومحبة الاوطان.
في مرات كثيرة أخجل أيضاً من أن أشغل القارئ بالدعابات ونكات سياسيينا وحديثهم عن الديمقراطية وحرية التعبير .. وأحاول وأنا أكتب مقالاً أن أعود إلى بعض الكتب التي حالفني الحظ وقرأتها، فأجد أن رجلاً مثل ونستون تشرشل يعترف بأن "الديمقراطية هي أفضل الأنظمة السيئة لكن عندما تسوء يكون سوؤها فظيعاً"، وسوء الديمقراطية هو الذي جعل تشرشل يحترم الإعلام حتى وهو يوجه إليه سِهام النقد ويدفعه إلى أن يتقاعد وينزوي في بلدة بعيدة خارج العاصمة لندن.
تذكر كتب السيرة التي كتبت عن تشرشل ان الرجل الذي استطاع وهو في السبعين من عمره أن يرفع علامة النصر في الحرب العالمية الثانية وأن ينقذ بريطانيا من مستقبل مجهول؟.. هو نفسه الذي قرر ان يستقيل ويجلس في منزله الريفي عندما شن الاعلام حملة ضده .
سيرة تشرشل ذكرتني بالاتهامات التي توجه للإعلام العراقي في كل مناسبة، من أنه يمارس دوراً تحريضياً، وانه متطرف ويسعى إلى تضخيم الصورة على حساب الواقع، بل ذهب البعض إلى أن يقول إن سبب الأزمة السياسية هو الإعلام الذي لا يريد للساسة أن يلتقطوا أنفاسهم ويجلسوا إلى طاولة واحدة.. وكان آخرها السيل من النصائح والوصايا التي أطلقها بيان مجلس القضاء الأعلى حين اتهم الإعلام بـ "تركيزه على الجوانب السلبية " .
في كل مرة يعود البعض لترديد هذه النغمة: "الحق على الإعلام".. وكأن الواقع الذي نعيشه غير مأزوم أصلاً.. وكل ما يكتب ويقال في الإعلام هو مجرد لغوٍ وبهتان تبطله الوقائع والشواهد التي تؤكد أننا نعيش أزهى عصور الاستقرار السياسي والرفاهية الاجتماعية، ولهذا فساستنا مصرّون على أن يقولوا للناس لا تصدقوا الإعلام في ما يكتبه وينشره، فهو يريد تعطيل مسيرة التطور والتقدم التي تشهدها البلاد، وأن يسيء إلى مكانة العراق الجديد.
كيف يسقط كبار الساسة في أوروبا وأمريكا ويذرفون الدموع أمام الفضائيات؟.. بسلاح الإعلام اولا واخيرا ، لذلك قال ديغول وهو يتأمل ما وصلت إليه الأمور بعد الحملة التي قادها سارتر ضده: "لم أُواجه في حياتي مدفعية بكل هذه القوة ".. لو حدثت قصة الجنرال ديغول مع ساستنا ومسؤولينا لتحول سارتر إلى عميل متطرف ، يكره العراق ، لكنها حصلت مع مسؤول يحترم الإعلام ويؤمن بأن المسؤول موظف عند الشعب.. لا الشعب "خادم" في مزرعته!