TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: أرض الخوف

العمود الثامن: أرض الخوف

نشر في: 6 يونيو, 2022: 12:21 ص

 علي حسين

هذه البلاد تعيش منذ شهور التكهنات وضرب الأخماس في الأسداس، ومحاولة الالتفاف على سؤال يطرحه المواطن البسيط؛ لماذا لا تتشكل الحكومة ، دون أن يعرف هذا المواطن المبتلى ما الذي سيحصل؟..

بالأمس خرج علينا السيد نوري المالكي محذراً مما وصفه بمستنقع دم في العراق إن استمرت عمليات الإقصاء والتهميش في التحالفات حسب تعبيره، حديث المالكي استدعى إلى الذاكرة فيلم الراحل أحمد زكي "أرض الخوف"، ففي هذا الفليم المثير أفكار تتأمل في مسألة إثارة الفزع.. والركون إلى حالة من الاستسلام للقدر وتحويل البشر إلى كائنات لا تعرف سوى كلمة "نعم"، ‎أرض الخوف يروي عملية تحويل الإنسان إلى كائن يخاف من المستقبل المجهول، وأنت كمشاهد تسأل هل تغير أحمد زكي، أم أن قوى متسلطة سلبت منه حرية الاختيار، ولم يعد أمامه سوى السير في "الطريق المرسوم" من وجهة نظر "الجهات العليا"؟

‎إذن مطلوب منك أن تصبح رقماً كما في فيلم أحمد زكي، وأنت تخاف من اليوم الذي لا يحصل فيه الجميع على قطع من الكعكة العراقية .. يريدون منك أن تتحول إلى مواطن خائف بامتياز، فالخائفون يسهل اقتيادهم وتدجينهم، يسهل غمر عقولهم بسيناريوهات المؤامرات، يسهل إقناعهم بالخطر الذي يتهددهم في الشوارع.

تجربة الأعوام الماضية أثبتت حقائق كثيرة أهمها أن مسؤولينا لا يملكون ما يقدمونه لمستقبل البلاد، حتى لو راهنوا على مخاوف الناس واحتياجهم الدائم للأمان ، والعدالة التي تحولت الى " فرمانات " لاقصاء من يسألأ لماذا كل هذا الخراب ؟ .

ما يجري هذه الأيام من تخويف الناس وترويعهم مرة بحجة الخوف على العملية السياسية ومرة بشعارات عن المؤامرات ، نظرة سريعة على المشهد الراهن تكشف بجلاء أن البعض يريد أن يكسر شوكة الآخرين من خلال تنفيذ مخطط لترويض الجميع على الإذعان للأمر الواقع، لتبدأ بعدها مرحلة التربص بالجميع من خلال سياسات متعمدة تستهدف الإجهاز على أي مطالب للإصلاح. بما لا يترك مجالاً لأحد كي يفكر في موضوع الخدمات والتنمية والعدالة الاجتماعية، وبمعنى آخر يحاول البعض أن يجعل من الاستقرار ثمنا للحصول على المكاسب والاستفراد في السلطة.

لماذا أصبح الخوف واقعاً يريدون منا أن نعيش في ظله؟ مطلوب منا أن نخاف.. مواطن خائف بامتياز تتلفت حولك، تتوجس من جارك وصديقك.. وتخشى مصافحة الآخرين لأنهم لا ينتمون إلى طائفتك.. لماذا يرددون على أسماعنا جملاً من عينة: عليك أن تتخندق في مواجهة الجميع، عليك أن تخاف من العلماني والشيوعي لأنه كافر، ومن الشيعي لأنه ميليشيا، ومن السني لأنه قاعدة، وعندما يكتمل خوفك وتوجسك، سيدفعك أصحاب نظرية " المؤامرة " إلى الخوف من أقرب الناس إليك. ويصبح مصير البلاد معلقاً برضا مجموعة من السياسيين.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

جميع التعليقات 1

  1. وليد حسين

    صدقني ان اول الخائفين هو صاحب التصريح نفسه

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

كيف يمكننا الاستفادة من تجارب الشعوب في مجال التعليم؟

العمودالثامن: الغرق في الشعارات

العمودالثامن: رواتب نواب جزر القمر

العمودالثامن: ألف نكتة ونكتة عن النزاهة!!

قانون الأحوال الشخصية.. في مواجهة الامتثال إلى الماضي

العمودالثامن: مثقفون مزيفون

 علي حسين في هذا المكان كتبت عن ظاهرة مركز الرافدين وعن صاحبه زيد الطالقاني .. وقد كنت أشاهد مجموعة أطلق عليهم زوراً لقب مثقف يشاركون في فعاليات مركز الرافدين ، والبعض منهم أصبح...
علي حسين

قناديل: لحافٌ يا مجلس المحافظة؟

 لطفية الدليمي أحسبُ أنّ معظمنا رأى المشهد الهزيل عبر الصور المنشورة في وسائل التواصل الاجتماعي: رئيس وأعضاء مجلس محافظة المثنى يقدّمون لطالبة متفوقة في السادس الاعدادي هدية تفوقها وهي (لحاف)، لحاف وحسب. ترى...
لطفية الدليمي

قناطر: الواقع الصحي بين البصرة والكويت وأيمن حسين

طالب عبد العزيز صورة القطاع الصحي في العراق لا تسر، وسمعة الطبيب العراقي على علميته وكفاءته مشوشة في ذهن المريض والمتابع والمواطن السليم أيضاً، وحال المستشفيات في البصرة وغيرها من المحافظات لا ترقى الى...
طالب عبد العزيز

السينما بين الفن والسياسة:فيلم "حياة الماعز" أنموذجاً

د. طلال ناظم الزهيري تاريخ السينما هو مسيرة حافلة تعكس التقدم التكنولوجي والإبداعي في صناعة الأفلام. حيث بدأت السينما في أواخر القرن التاسع عشر تزامنا مع اختراع آلات العرض الأولى مثل جهاز "الماسكوب" الذي...
د. طلال ناظم الزهيري
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram