TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > معالي الكلمة: حيدر (المغدور)!

معالي الكلمة: حيدر (المغدور)!

نشر في: 8 يونيو, 2022: 10:52 م

 عمـار سـاطع

أعرف أن الموت حقّ، ولا مَنَاص منه، هكذا تعلمتُ أن تكون معادلة الحياة، ولكن أن يكون الموت بهكذا طريقة بشعة ومؤسِفة، طريقة القتل مع سبق الإصرار، فهذا الذي لا يمكن أن تنفع معه لا الدموع ولا البكاء ولا العويل، لا ينفع حتى الذهول أمام ما حدث لَنا من صدمة وكارثة بفقدانِ رجلٍ رحلَ عَنّا بهكذا طريقة حزينة ومؤلمة!

حيدر عبد الرزاق، المغدور مع سبق الإصرار، أحد نجوم آسيا مِن ذلك الجيل الذهبي، مِن الذين جلبوا إلينا كأس الأمم عام 2007 في إنجاز غير مسبوق، الجيل الذي تسبّب في إيقاف نزيف الدم على عموم البلاد، وكان مُدعاة فخرٍ لكلّ العراقيين الأصلاء بعد أن جلب اليه الأنظار وصار أنموذجاً يُحتدى به من الجميع!

رحل، حيدر عبد الرزاق حسن، ذلك الشاب الوسيم الذي عرفتهُ قبل نحو 25 عاماً، رحل الى جوار ربّه، تاركاً ابنه (تَـيّـم) عَلَنا نجدُ فيه ذكريات والده البطل، والمدافع الصنديد الذي شَقَّ طريقهُ صوب عالم النجومية بعد أن تدرّج بالشكل الصحيح ووصل الى مرحلة القمّة والإنجاز ثم أكمل قصّته مع المستديرة بالاحتراف!

ليتني لم أعرفكَ يا حيدر، وليتني لم أكن أوّل صحفي سَجَّلَ مَعَكَ حِواراً نَشرته ربيع العام 1998 في صحيفة العراق اليومية، يوم جَلَسنا في أحّد كازينوهات الكرادة داخل، بحضور صديقي شقيقك الأكبر مهند والأخ شيراك، وكان الخجل يُهيمن على كل تفاصيلك، حتى أنني بالكاد كنت استمعُ الى إجاباته لِأدوّنها في مفكّرتي، لنخرج بحصيلة جيّدة من المعلومات لهذا اللقاء الذي نُشِرَ بعدها بيومين، وكنتَ تنتظرُ أن تحصل على نسختك من الصحيفة الورقية كي تحتفظ بها!

نعم.. ليتني لم أخض تجربة اكتشافك صحفياً وتقديمك لاعباً توقّعتُ أن تكون له بصمة مختلفة تماماً يجيد اللعب في أكثر من مركز، أو أن تتطابق مع آراء من عرفوك أن يكون لك ذلك المستقبل الذي رسمتهُ أنتَ في مخيّلتك وَأوصلتك من منتخب الناشئين الى الشباب حيث انجاز آسيا في طهران عام 2000 ومن ثم التفوّق الفعلي في أولمبياد أثينا عام 2004 بتحقيق المركز الرابع، قبل أن يأتي الفرح من جاكرتا حيث اللقب القاري!

أذكر يا حيدر أن طموحاتك كانت مليئة بالكتمان، ويوم اصبحتَ قائداً للمنتخب الرديف الذي تشكّلَ في حينها بقيادة الخبير الكروي المدرب عبد الإله عبد الحميد، ذكرتَ ليّ أن العقود بدأت تنهال عليك وإن فرصة الاستمرار أساسياً مع فريقك الحبيب الطلبة، جعلت الانظار تتجه صوبك من أجل الظهور الفعلي وصولاً لعالم الاحتراف، وهو ما تحقّق فعلاً بعدها بمواسم، في ظلّ الانجازات التي سُجّلت لجيل المدرب الكفوء عدنان حمد!

وحتى أقول كلّ ما أعرفهُ عنك، فأن بدايتك كانت في مركز حراسة المرمى، قبل أن تشاء الظروف أن تصبح مدافعاً وتصبح من بين أفضلهم على الاطلاق في غضون عامين فقط، وكنتَ تحتاج الى الدعم المعنوي، بعد أن تفوّقت فنياً وأصبحت واحداً من الأعمدة الأساسية المهمّة مع الأنيق الذي أصبح بوّابة لنجاحك فيما بعد!

أقول.. لِمَن يعرف حيدر، الإنسان الخلوق والمُهذّب والمثابر والجدّي، إنكَ لن تستحقّ ما حصل اليك قبل رحيلك الى جوار ربك، لأنك فعلاً كنتَ من بين أولئك المحترمين، المُحبّين، الهادئين، وأكثر من ذلك كنت من بين العصاميين الذين تسلّقوا سلّم الحياة بهدوء ووصلوا الى مرحلة النضج في غضون سنوات قصيرة، وبرزوا بشكل لافت.

واأسفاه على رحيلك يا حيدر، واأسفاه على الطريقة التي غُدِرتَ بِها، وفقدانك الأليم والجرح الذي تركته لمن هم حولك، عائلتك، أهلك، ومحبّيك من أصدقاء وزملاء لا يمكن أن يندمل بسهولة اطلاقاً.

رحمك الله يا حيدر وأسكنك الله فسيح جناته، وألهم جميع مع عرفك الصبر والسلوان، وأعان الله قلب والدك, ووالدتك لما حصل من فاجعة أليمة، وساعد أخوتك، مهنّد ونور وياسر لهذا المصاب التعيس، وحمى الله ابنك الذي خرجت به في حياتك الدُنيا، وأسعدك به وأنتَ في قبرك.

(إنّا لله وإنّا اليه راجعون)

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق منارات

الأكثر قراءة

العمود الثامن: "علي بابا" يطالبنا بالتقشف !!

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

العمود الثامن: موجات الجزائري المرتدة

العمود الثامن: المستقبل لا يُبنى بالغرف المغلقة!!

سوريا المتعددة: تجارب الأقليات من روج آفا إلى الجولاني

العمود الثامن: بلاد الشعارات وبلدان السعادة

 علي حسين نحن بلاد نُحكم بالخطابات والشعارات، وبيانات الانسداد، يصدح المسؤول بصوته ليخفي فشله وعجزه عن إدارة شؤون الناس.. كل مسؤول يختار طبقة صوتية خاصة به، ليخفي معها سنوات من العجز عن مواجهة...
علي حسين

قناطر: شجاعةُ الحسين أم حكمةُ الحسن ؟

طالب عبد العزيز اختفى أنموذجُ الامام الحسن بن علي في السردية الاسلامية المعتدلة طويلاً، وقلّما أُسْتحضرَ أنموذجه المسالم؛ في الخطب الدينية، والمجالس الحسينية، بخاصة، ذات الطبيعة الثورية، ولم تدرس بنودُ الاتفاقية(صُلح الحسن) التي عقدها...
طالب عبد العزيز

العراق.. السلطة تصفي الحق العام في التعليم المدرسي

أحمد حسن المدرسة الحكومية في أي مجتمع تعد أحد أعمدة تكوين المواطنة وإثبات وجود الدولة نفسها، وتتجاوز في أهميتها الجيش ، لأنها الحاضنة التي يتكون فيها الفرد خارج روابط الدم، ويتعلم الانتماء إلى جماعة...
أحمد حسن

فيلسوف يُشَخِّص مصدر الخلل

ابراهيم البليهي نبَّه الفيلسوف البريطاني الشهير إدموند بيرك إلى أنه من السهل ضياع الحقيقة وسيطرة الفكرة المغلوطة بعاملين: العامل الأول إثارة الخوف لجعل الكل يستجيبون للجهالة فرارًا مما جرى التخويف منه واندفاعا في اتجاه...
ابراهيم البليهي
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram