علاء المفرجي
شهد منتصف أربعينيات القرن المنصرم، وتحديداً بعد انتهاء الحرب الكونية الثانية، نهضة فكرية عارمة في العراق، شملت كل الأجناس المعرفية الإنسانية، ابتداءً من الشعر مروراً بالفن التشكيلي، والرواية، وكذلك السينما .. على خلفية أحداث سياسية ألقت بظلالها على هذه النهضة التي أنتجت انفتاحاً كبيراً في المجتمع العراقي،على كل ماهو جديد في هذا المجال، وفي كل مفاصل الحياة .. بسبب السلام الذي بدأ يعم العالم من حولنا وتطور الوعي الجمعي، والاقبال على التعليم.
ولأسباب لامجال للخوض فيها في هذا الحيز المتاح لي، كان حظ السينما هو الأقل في هذا النهوض، فبرغم إنطلاقة السينما العراقية أو إعلان تباشيرها، الذي تميز بإنتاج مشترك مع دول عربية سبقتنا بسنوات طويلة في هذه التجربة، وكذلك بداية نشاط القطاع الخاص في العمل الفني، وانتشار شركات انتاج سينمائي واستوديوهات لعمل الأفلام، بل وبظهور مجلة تعنى بشؤون السينما، وتبشر بسينما عراقية قادمة، إلا أن ذلك لم يكن كافياً بالحديث عن سينما عراقية ذات انتاج متميز، مقارنة بالانتاج السينمائي العربي والإقليمي، مثلما يحصل في مصر وتركيا وإيران.
نتحدث هنا عن السينما العراقية التي تفاوتت جودة انتاجها وكمية ما أنتجت خلال مراحل مسيرتها التي قاربت على الثمانين عاماً، ويجب أيضا الوقوف عند رواد هذه السينما التي ما زال البعض يقدم فيها انتاجه، وانزوى البعض الآخر بفعل الشيخوخة ، لكن يبدو أن السبب الأساس في تناسي هؤلاء الرواد وذكرهم – برأيي المتواضع- هو الجحود الذي واجهه هؤلاء الرواد من قبل بعض السينمائيين الشباب.
فأسماء مثل: نهاد علي ، وطارق عبد الكريم، ومحمد شكري جميل، وفيصل الياسري، وحاتم حسين، ورفعت عبد الحميد، وصاحب حداد، وصبيح عبد الكريم، وجعفر علي، وخليل شوقي.. الذين صنعوا أبهى الأفلام برغم ضعف الإمكانات المادية.. ولا ننسى الممثلين الكبار أمثال: يوسف العاني، وسامي عبد الحميد، وطه سالم، وعبد الواحد طه، وفاروق فياض، وناهدة الرماح، وزينب عبد الكريم، ووداد سالم.. وغيرهم الكثير الكثير.. فهؤلاء حملوا وزر ترسيخ سينما عراقية جديرة بالحضور والتميز.. وحاولوابما تسنى لهم ذلك.
وهنا أقف مع أحد هؤلاء الرواد الذي تكرس حضوره في ثمانينيات القرن المنصرم ، إلا أنه بما قدمه من جهد فني كبير، يعد واحداً من أبرز مديري التصوير في العراق.
فعين شكيب رشيد تلتقط الصورة بما ينسجم ورؤية المخرج الذي يعمل معه، ولكن ليس على حساب حساسية هذه العين التي يمتلكها شكيب لكل ما هو جميل ، هذه التي تمنح الصورة جمالية خاصة، وهي الميزة التي طبعت عمل جيله من مديري التصوير أمثال حاتم حسين وغيره، الذين عملوا مع مخرجين أمثال محمد شكري جميل ، وخيرية المنصور التي كان فيلمها 66 أول من قدم شكيب رشيد مديراً للتصوير بداية الثمانينيات.. فقد استطاع في أفلامه اللاحقة ومع تطور خبرته، أن يكتشف أن هناك إمكانيات كبيرة تساعد في إجراء بعض التغيرات في أسلوب الفيلم أثناء المونتاج مثل الجرافيك والتصوير البطيء، وغيرها، وله طريقته الخاصة في التعامل مع الكاميرا، حيث يستعمل إضاءة قليلة ليقلل الخطأ بنسبة كبيرة.. ولكن ذلك لا يعني أن ثمة موضوع درامي يجب أن يحسب له.
الميزة الاخرى التي اكتسبها شكيب رشيد هو رصيده في العمل الوثائقي حيث عمل بأفلام وثائقية كثيرة خاصة تلك التي وثقت للحرب العراقية الإيرانية وهو ما أضاف الى خبرته الشيء الكثير، فمما لاشك فيه أن التصوير في الأفلام الوثائقية يلعب دوراً رئيساً في الفيلم وهو ما وضعه رشيد في باله.. ويعرف أيضا أن المصور يكاد يكون الصانع الأمثل للفيلم لا المخرج.
صور شكيب رشيد أكثر من 21 فيلماً طويلاً وأكثر من 100 مسلسل درامي تلفزيوني عراقي وعربي وكثير من الأفلام الوثائقية.