ستار كاووش
تتغير قوانين الحياة بما يتلائم مع أساليب معيشة الناس هنا وهناك، وتتبدل الكثيرمن التفاصيل والإجراءات كي تُساهم في تسهيل حياة الناس حسب طبيعة البلدالذي يجمعهم. في هولندا مثلاً، يبدو إن كل شيء يمضي بسهولة وطواعية،
فلا يتصلبك أحد بعد الساعة التاسعة مساءً، ولا يزورك شخص دون إتصال مسبق، ولا يمكنكالتأخر عن عملك أو موعدك حتى لو ذهبتَ بالباص، لأن الباصات تأتي بالوقت المحددبالضبط، ثم لا أحد يمكنه إقتحام حياتك دون مبرر، والكثير من التفاصيل الأخرىالتي تجعلك تعرف ما لك وما عليك. والقوانين وُجدت كي تُيَسِّرَ معيشة الناس وتحافظعليهم وعلى خصوصياتهم، حتى لو بدت غريبة ومختلفة أحياناً أو مفاجئة بالنسبةللبلدان أو الثقافات الأخرى..
كنتُ أتنزه ظهيرة البارحة كالعادة، وحين إنعطفتُ في أحد الشوارع واجهتني يافطةكبيرة مكتوب عليها (الطلاق على الطريقة الحديثة) قد عُلقت على مكتب كبير يشبه المؤسسة. وبما أني لم أُجرب الطلاق، لا على الطريقة القديمة ولا الحديثة، لذا تساءلت ُمع نفسي: كيف يكون الطلاق الحديث؟ ثم رددتُ بصوت منخفض وبطريقة ساخرة(أهلاً بك في الأراضي المنخفضة). عموماً، عرفتُ وسمعتُ كثيراً عن الزواج علىالطريقة الحديثة، لكني لم أعرف إن الطلاق قد شملته الحداثة أيضاً وصار نداً(جميلاً) للزواج. وهنا عليَّ أن أتخيل الحداثة المقصود بها في هذا الموضوع، حيثيجلس شخص متخصص مع الزوجين طالبَي الطلاق الحديث، ويطرح عليهما كلالتفاصيل المتعلقة بالطلاق المريح وغير المعقد، يتكلم معهما ويعطي الحلول السهلةوالتفاصيل التي ترضي الطرفين بطريقة معاصرة، ليخرج الزوج وزوجته وهمامنفصلان بكل (محبة) وود ليمضي كل منهما في طريقة للبحث عن تفاصيل حياتهالقادمة، وربما يرسل إحدهما دعوة للآخر عند الإقتران بشريك جديد. يبدو إن كلشيء مرتب هنا حتى إن سيارات الشرطة الهولندية، تحمل عادة في الصندوقالخلفي، بعض الدمى وألعاب الأطفال، وذلك في حالة وقوع حادث لسيارة معينة،ويوجد طفل ضمنَ الركاب، فأول ما يقوم به الشرطي هو تهدئة الطفل وتقديم لعبة أودمية له للتسلي بها، قبلَ الدخول الى تفاصيل الحادث وتقديم المساعدة للآخرين. ألمأقل إن كل شيء مرتب هنا ومريح ولا داعي للقلق، كما حدثَ للتواليت العمومي الذييكون مقسماً في العادة الى قسمين، رجالي ونسائي، لكن الأمر لم يتوقف عند هذاالحد بعد أن إعترضَ الأشخاص الذين تحولوا من جنس الى آخر أو الذين لا يعتبرونأنفسهم رجالاً ولا نساءً، نعم إعترضوا وطالبوا بوضع يافطة إضافية في التواليتالعمومي تشير إليهم، ليعرفوا رأسهم من رجليهم ويحصلون على التقدير الذي يليقبهم، حتى وإن كان من ناحية التواليت.
كل شيء يجب أن يوضع في مكانه الصحيح، ولا يجب أن تختلط الأمور، وكلماقُسِّمَتْ التفاصيل والمهام بشكل دقيق، كلما مضت الحياة بدقة وسهولة دون وقوعإخطاء أو إلتباسات، والأمر لا يتعلق بالناس فقط، بل وحتى الحيوانات، مثل الحوت الكبير الذي تَمَّ إيجاده على ساحل جزيرة تكسل الهولندية، وقد مات هذا الحوت معالأسف قبلَ أن يتمكن المسعفون من الوصول إليه، وبذلك لم يستطيعوا إعادته الىالماء حياً، وخلال هذه العملية أطلقوا عليه إسم (يوهانس) لتثبيت ذلك عند المختصين أوفي متحف التاريخ الطبيعي. لكن المشكلة حدثت حين إكتشفوا أنه أنثى وليس ذكراً،عندها طالب خبراء الحيتان في هولندا على الفور بتغيير إسمه الى أسم فتاة أو أنثىحتى بعد وفاته، لأن هذا خطأ لا يغتفر. لذا أعادوا تسجيله في الوثائق من جديدوأختاروا أسم (يوهانا) أسماً جديداً للحوت حتى وهو ميت، مع تقديم إعتذار لهذاالخلط بعد تداول الإسم الخاطيء في الصحافة والتلفزيون. مئات الأمثلة يمكن ذكرهاهنا تختصر مضي هذا العالم نحو التفاصيل التي تسهل حياته حتى لو بدتمضحكة، تفاصيل تضع كل شيء في مكانه. قد تبدو الأمر مليئاً بالدعابة أو ربماالبطر، لكن الدعابة أفضل من الخزعبلات والتشدد الذي يقهر البشر والشجر. أليسَالجمال في شكل من أشكاله، نوعاً من الدعابة التي تريح العين والروح والقلب؟ أليسَ الجمال هو الحقيقة التي تُسهل حياتنا ونحتاجها جميعاَ؟