طالب عبد العزيز
أي قراءة للمشهد السياسي العراقي لا تسرُّ، بل، وتُنبئُ بما هو خطير ومخيف، حتى لكأننا لم نكتو بكل ما جرى، مع أن صديد الجراح والحروق ما زال ينزُّ من أرواحنا، ولكأن مشهد الدم الذي سال طوال العقود كان بلا حكمة، ولم يكن نتاج الحماقة والتهور والفوضى، حتى بتنا نلمس ونتحسس عن قرب أنَّ الدم الذي احتقن في القلوب بعد الاحداث الاخيرة ذهب يبحث عن مسيل له، هذه الارض بعطشها الازلي للماء مازالت تبحث في اجسادنا عن لون آخر لريّها، فهي المبتلاة بالحمقى والمتهورين.
سوّق سياسيو العراق خلال العقود الثمانين الماضية الصورة العراقية بوصفها قطعة فاخرة من من الدم، وأنَّ العراقيين يؤمنون بأنَّ البندقية هي الحل الوحيد لكل مشاكل السياسة، حتى اعتقد الجميع بذلك، فصار العراقي لا يرى في صورة علي بن ابي طالب إلا سيفه، وأصبحت قطعة السلاح في البيت العراقي جزءًا من ضرورة وجوده، فالعشيرة القوية قوية بعدد الحمقى والمتهورين فيها، والحزب السياسي فاشل ما لم يلجأ الى البندقية في حسم مشهده، بل ويذهب الكثير منا الى اليقين القاطع بوجوب تغيير الوضع السياسي القائم اليوم عبر البندقية لاغير، ونرى ذلك واضحاً وجلياً في وسائل الاعلام وصفحات التواصل، وهو حديث المقهى والشارع والبيت اليوم، ومردُّ ذلك كله الى الصورة النمطية التي رُسمت سلفاً وعززتها الطبقة السياسية التي مازالت تغمض أعينها عن حقيقة ما تفعل وتريد.
كل فاحص أمين للمشهد اليوم لا يجد في حلول السياسة مخرجاً. لقد اختزل الصدريون ومن معهم والاطاريون ومن معهم المشهدَ العراقيَّ في حوارهم، وعلى الشعب تحمل نتائج ما سيجري، هذه الصورة العراقية اليوم، ومن يرى غير ذلك فهو بلا بصيرة، ذلك لأنهما الوحيدان اللذان يحتكران السلاح، وبين معادلة توازن الرصاص تلك ليس على الاخرين إلا تقبل النتائج. نقرأ ونسمع من كلا الطرفين من يتحدث بوجوب الحوار، وتقديم مصلحة البلاد على المصالح الحزبية والشخصية، وبينهم من يحاول تقديم صورة خيالية للمشهد القادم إلا أنَّ يقينهم يقول غير ذلك، ففي الأقبية السريّة ترسم الخرائط الجديدة، وفي الانفاق تتراكم الصور القادمة، التي لن تكون بالابيض والاسود.
خارج دوائر الاحزاب الاسلامية(الشيعية والسنية) هناك عقل عراقي خالص وأمين، لا يرى في الصدام المسلح حلاً نهائياً، وينظر للبلاد لا بوصفها بندقية وطائرة مسيّرة إنما بوصفها تاريخا وحضارة ومستقبلا، وبينهم أسماء لم ينجسها الفعل السياسي، ولا اقصد التشرينيين هنا، إنما الملايين من العراقيين، الذين لم يذهبوا لصناديق الانتخاب، ولم يدلوا بأصواتهم، لهذا وذاك، والذين يشكلون ألـ 60% إذا ما علمنا بأنَّ نسبة المشاركة كانت 41% بحسب تقارير المفوضية المستقلة، لكنْ، أينهم؟ ولماذا لا يؤخذ وجودهم في الحسبان؟ أقول: لأنهم بلا بنادق ولا مسيرات.
لا شكَّ بأنَّ بعض الذين دخلوا دائرة رئيس الوزراء مصطفى الكاظمي وفريقه، مستشارين ومنظرين وصحفيين ينتمون الى فئة الـ 60% وقد استعان بهم لأنه يرى فيهم امكانية رسم خرائط سياسية جديدة، ترى في الحوار طاقة ايجابية، واقعية ومنتجة، لكنَّه وفريقه اصطدموا بعقبة حملة البنادق، فشُلّوا، وصاروا أخيلة ومآتات، تتجاذبهم قوة هذا وضعف ذاك، حتى انتهوا مثلنا، ينتظرون ما ستسفر عنه بنادق الأقوياء.