TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > باختصار ديمقراطي: انفلات القمّة!

باختصار ديمقراطي: انفلات القمّة!

نشر في: 15 يونيو, 2022: 12:12 ص

 رعد العراقي

ليس هناك وصف دقيق ينطبق على ما جرى خلال وبعد مباراة الزوراء والقوة الجوية في لقاء رُبع نهائي بطولة كأس العراق سوى أنه يمثّل (انفلات القمّة) وانكسار من أعلى الهرم لهيبة الكرة العراقية الذي من المفترض أن يمثّلهُ الناديين بتاريخهما وعُمقهما الجماهيري الكبير.

من الخطأ أن نُبرّر بالأحداث بالصدفة والموقف العابر، بل هو امتداد وتراكم غير مُسيطر عليه لنهج فوضوي بدأ يشكّل السمة الغالبة لكل تصرّفات الجماهير والكوادر التدريبية والإدارية، وينعكس على اللاعبين داخل الميدان، فلا مباراة باتت تنتهي دون أن تكون الفوضى والشغب على الموعد، فلا يسلم منها الحكام ولا منشآت الملاعب ولا حتى المقاعد في صورة هي أسوأ ما أنتجته كرة القدم في العراق.

القضية تحوّلت إلى ظاهرة خطيرة بدأت تغزو أفكار الجيل الجديد، وهو يتابع الأحداث الرياضية، وقد أنفرط منها عقد الخلق الرفيع والتصرّف الحضاري حين وجد نفسه محاصراً بين برامج رياضية أغلبها تعتمد الإثارة والإساءة وتبيح استضافة غير المؤهّلين لتوجيه الخطاب الرياضي، وتجده يفرض أسلوباً متعصّباً بالتشجيع، وكأنّ الأندية أصبحت ميداناً للنزاعات، ومُلكاً لفئة معيّنة تجد نفسها في حالة حرب وصراع مع الآخرين، بل يبدو أنها تستمتع بتلك التصرّفات، ونزهة التملّك المُطلق الذي يرفض أي منافس له أو القبول بالخسارة.

أما الأندية فإنها تخلّت عن مسؤوليتها، وبدأت تنساق وراء ضغط نفر من جماهيرها، وتهبط بالأداء الإداري والثقافي إلى مستوى من يتحكّم بها، وتحاول أن تبتعد عن أي صِدام معها خشية خسارة المنصب أو ربما كشف المستور من ثغرات ارتكبتها أو فضح مصالح شخصية لا تريد أن تفقدها، وهو ما يفسّر ضعف شخصيّتها وصمتها إزاء تصرّفات روابط الأندية، وكذلك تمادي فرقها في الاِعتداء على الحكّام، وحركات الإساءة والتصريحات غير المُتزنة والتجاوزات التي تبدأ من دكّة القيادة التي من المفترض أن تكون في قمّة اتزانها لتتحوّل إلى اللاعبين داخل الميدان، ومن ثم تنتهي بالفوضى والشغب على مدرّجات الملعب!

المُصيبة أن ما تزرعهُ الأندية في نفوس اللاعبين وأفكارهم بدأت تظهر وتسيطر على تصرّفاتهم مع المنتخبات الوطنية من دون أن يكون هناك أي رادع لهم، بيد أن تصرّفات وحركات بعض لاعبي المنتخب الأولمبي خلال مشاركتهم في بطولة كأس آسيا تحت ٢٣سنة تؤكّد ما ذهبنا إليه.

لا مقارنة تُذكر بين ثقافة الماضي وبين ما وصلنا إليه من واقع مرير أغتيلت فيه الروح الرياضية، وسيطر وحش الثقافة المُزيّفة، وتبدّلت لغة الاحترام بالاسفاف والتهريج، وخاصّة أننا ودّعنا قبل أيام شيخ المُعلّقين الرياضيين العرب مؤيد البدري أيقونة الرياضة العراقية الناطقة والمُربّي لأفكار ونفوس الرياضيين ليس بصفة المسؤول والقيادي في أمور إدارية شغلها بجدارة فحسب، بل هو المثال المُحتذى به في الخُلق والمحبّة والروح الرياضية التي كان ينثر عطرها بكل أحاديثه وتعليقاته على المباريات، وكذلك من خلال برنامجه الشهير(الرياضة في أسبوع) حتى بات البرنامج الأكثر مشاهدة من قبل العوائل العراقية قبل الرياضيين، ولنتصوّر حجم الثقافة والالتزام الاجتماعي الذي دفع العوائل إلى السماح لأبنائهم في انتظار ومتابعة البرنامج، فماذا عن برامج اليوم؟ لا تعليق!

باختصار.. مساحة الحريّة والتصرّف لابدَّ أن تتّحدد حين تصبح خطراً على المجتمع والذوق العام نتيجة انتشار آفة الانفلات الأخلاقي والفكري وما تتبعه من ضياع لسُمعة الكرة العراقية بتصرّفات نفر ضال وجد ضُعف وتجاهل من الهيئات الإدارية لبعض الأندية وصمتها عن تكرار الإساءة لجماهيرها وكوادرها الفنية واللاعبين، وهو ما يفرض على اتحاد الكرة إجراءً سريعاً ورادعاً لا يكتفي فيه بالعقوبات الروتينية، بل البحث عن تشريعات مُلزمة تحدّد الأطر العامة بمسؤولية الأندية وإلزامها بضبط كل كوادرها ولاعبيها والاتجاه نحو حل روابط الأندية، ووضع ضوابط جديدة لا يتيح لها التدخّل مُطلقاً بعمل الأندية أو فرض خيارات معيّنة، والأهم فتح قنوات تعاون وتفاهم مع اتحاد الصحافة الرياضية والجهات ذات العلاقة لتهذيب وتنقية الخطاب الرياضي وخاصّة عبر البرامج الرياضية، والاِرتقاء بلغة الحوار إلى حيث احترام المشاهد والعوائل العراقية مثلما كان البدري رحمه الله حريصاً عليها.

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

العمود الثامن: طاعون الفشل

العمود الثامن: هلوسات مرشح خسران!!

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

العمود الثامن: رجاء اقرأوا التدوينة

قناديل: كفكف دموعك واتبع سيدوري

العمود الثامن: جنرالات الطائفية

 علي حسين تستيقظُ صباحا، فتجد ان مسلسل الكيانات الطائفية يواصل عرض حلقاته بنجاح ، وكان آخرها الحلقة التي قام ببطولتها محمود المشهداني وفيها يعلن عن تشكيل كتلة سنية جديدة ، اتمنى ان تركز...
علي حسين

كلاكيت: "عن الآباء والأبناء"… وراثة العنف

 علاء المفرجي وجدت الأفلام الوثائقية، في بداية الثورة السورية، طريقها إلى التشكّل عنصراً مهمّاً في توثيقها منذ بدايتها. ساعَد على ذلك التطوّرُ التقني الذي لمع في سنوات الثورة. لم تعرف أماكن ساحات الاعتصام...
علاء المفرجي

الصراع على البحر الأحمر من بوابة اليمن "السعيد" 

غالب حسن الشابندر من الخطا التعامل مع موضوعة البحر الاحمر بلغة الدول المتشاطئة فحسب ، لأن الموضوع سياسي ، ولذلك التعامل ينبغي أن يكون بلغة (الجيوسياسي ) وليس الجغرافي ، وفي ضوء هذه النظرية...
غالب حسن الشابندر

المخطوطات..بين الموجود والمفقود

رشيد الخيون عندما نقرأ عن شغف الأقدمين، بجمع الكتب العربيَّة الإسلاميَّة، نعني المخطوطات، فكان ظهور آلة الطّباعة حداً بين المخطوط والمطبوع، وذلك خلال القرنين السَّادس عشر والسَّابع عشر. لذا، لم يسترعِ ما خُط بعدهما...
رشيد الخيون
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram