ترجمة: عدوية الهلالي
بعد فيلمين من أفلام الخيال العلمي، يقدم المخرج البريطاني أليكس جارلاند فيلمًا خياليًا قوطيًا جديدًا حول موضوع معاصر.
يعد اليكس جارلاند احد صانعي الافلام القلائل الذين صنعوا أفلام خيال علمي مثل (اكس ماكينا) و(ابادة) فضلا عن مسلسله الميتافيزيقي (ديفز) واليوم يخرج فيلم (رجال) الذي كتب السيناريو الخاص به وتم عرضه خلال أسبوع المخرجين في مهرجان كان ليثير العديد من التساؤلات اذ تم تصنيفه على انه فيلم عميق جدا وصعب المراس ومن أحد اكثر الأفلام جنونا كما يحوي ادانة مجازية للعنف ضد المرأة ويهدف الى ايقاظ لاوعي جماعي وحقائق عميقة عن الانسان..
يبدأ الفيلم بمقدمة مذهلة حيث الألوان غير الواقعية لغروب الشمس في شقة بلندن مع شعور بعدم الارتياح اذ يقوم صانع الفيلم بتجميد الوقت ويجبر كاميرته على التركيز على عيني البطلة هاربر (الممثلة جيسي بوكلي) بمواجهة مشهد رجل يسقط من أعلى مبنى، هذا الرجل هو زوجها الذي كانت قد اعلنت للتو عن رغبتها في الطلاق منه..كان الحدث سريعا جدا لدرجة ان البطلة ربما لم تستوعبه، ولكنه ظل محفورا الى الأبد في شبكية عينيها..
بعد انتحار زوجها العنيف، تنتقل “هاربر” إلى منزل معزول في الغابة الإنجليزية. وعندما تزور القرية المجاورة، تقابل رجالًا فقط: مالك المنزل العنيد، وصاحب البار، ورجل الشرطة الكسول، والنائب المنتقم اذ يبدو أن وجودًا غامضًا في الغابة يطاردها فهي ترى رجل متعدد الأوجه يقترب أكثر فأكثر من منزلها، ويذهب إلى حد مهاجمتها، مثل المأساة التي عاشتها مع زوجها الراحل.
تشعر هاربر ان شخصا او أشخاصا يتبعونها فهل هذا الخوف حقيقي؟ أم أنه من ثمرة خياله؟ لذلك، يتحول (الرجال) إلى فيلم إثارة نفسية ثم يتحول تدريجياً إلى فيلم رعب مثالي. ربما هي طريقة رائعة لأليكس جيرلاند لاستكشاف موضوعاته المفضلة (الحداد والوحدة) وقبل كل شيء لاستكشاف العلاقات السريالية بين الرجال والنساء من خلال التركيزعلى رموز الرعب. يبدأ فيلم (الرجال) وكأننا امام منزل مسكون، فالانتقال إلى منزل قوطي جديد شاسع، وكون منعزل، وضوضاء غريبة يجعل الفيلم مشوبا بغرابة جديدة مع وجود ذكوري ترتفع عدوانيته تدريجياً حتى تتجسد بشكل عنيف ودموي. ويعتمد أليكس جارلاند الخيال المتطرف بشكل بالغ، لإسعاد الجمهورعبر الغوص في معاناة البطلة العميقة والمذهلة تمامًا.وتلعب جيسي باكلي دورا رائعا يجسد القلق والخوف والعنف المستوحى من صدمة هاربر ماريان وهو دور نفسي وجسدي للغاية يذكرنا بدور البطلة في فيلم طفل روزماري (رومان بولانسكي، 1968)،حيث يدور فيلم (الرجال)حول الغموض بين واقع الظواهر الخارقة والتوازن العقلي للضحية.وتتوائم نغمة الفيلم مع روعة السبعينيات اذ يذكرنا بمعالجة المواضيع الاجتماعية والسياسية في افلام (طارد الارواح الشريرة) و(الحلقة الجهنمية) و(منزل الشياطين)..بهذه الطريقة يصبح فيلم (الرجال) جزءا من تقليد جمالي للسينما الرائعة تم تحديثه باسلوب معاصر..
يمكن القول عن الفيلم أنه نسوي، لكن تحديد طبيعة نظره إلى الرجل ليس بهذه السهولة.فمن الملاحظات الصغيرة المهينة إلى العدوان الجسدي، تخضع هاربر في وقت قصير لشكل من أشكال الحياة اليومية التي تتحملها للأسف الكثير من النساء. هل يمكن تفسيرها بطريقة تربية الذكورمن قبل مجتمع دافع منذ فترة طويلة عن سلطة الذكورواهميتهم؟ وبرموز ثقافة يتم فيها تمثيل المرأة دائمًا على أنها الخطرالذي يهدد مصير الرجال؟ أو بكل بساطة بسبب قسوة غالبية الأفراد؟
ان تألق فيلم (الرجال) يأتي من أنه يجعل كل هذه التفسيرات صحيحة، لكنها غير كافية.. ويثق المخرج في القوة المثيرة للإعجاب لفنه، متجنبا الوقوع في الأفكار الممضوغة..ففي الواقع، لا يهم جارلاند من أين يأتي الشر (الذكر) بل ان مايهمه هو هذه السلسلة من الأسباب والعواقب التي تحدد هوية الإنسان. بعد كل شيء، فإن سينماه تنزل دائمًا إلى الإنسانية التي تسعى إلى فهم جوهرها (عبثًا)، ولا ينسى جارلاند أبدًا إبقاء تجربته مفتوحة قدر الإمكان، لدرجة أننا نقبل بسهولة تصعيدها السريع تجاه تجريدها السردي والشعري. من خلال الاعتماد على تراث الرعب الجسدي.وهكذا يصبح فيلم (الرجال)الذي يعرض حاليا في دور السينما العالمية أكثر جمالًا وإبهارًا وإرباكًا محاولا الحفاظ على وجهة النظر المتقلبة هذه التي تواجهنا بأعمق الأفكار وأقساها بشجاعة فذة. انه فيلم حقيقي “عميق” بكل ما في الكلمة من معنى..