ترجمة: عدوية الهلالي
في مهرجان باريس للكتاب الذي اقيم مؤخرا، حضر الكاتب الاوكراني الناطق بالروسية اندريه كوركوف لتوقيع روايته الأخيرة والحديث عنها وعن الحرب الدائرة في بلاده..
كانت لحظة مؤثرة بالنسبة لمعجبيه من الأوكرانيين الذين توافدوا على قاعة الاحتفال ولجميع الزوار الذين قدموا للاستماع اليه لمحاولة فهم الحرب في أوكرانيا بشكل أفضل..
وتحكي رواية (النحل الرمادي) – وهي آخر رواية للكاتب نشرت في فرنسا في مطلع عام 2022– عن الحرب في دونباس التي بدأت في عام 2014..فهنالك (سيرجيتش وباشكا) وهما آخر سكان لقرية صغيرة مهجورة في « المنطقة الرمادية « المحصورة بين الانفصاليين والجيش الأوكراني واللذان يحاولان البقاء على قيد الحياة بمساعدة الانفصاليين الروس والجنود الأوكرانيين..سيرجيتش هو متقاعد من العمل في المنجم،ويعتني بخلايا النحل،التي أكسبته القليل من الشهرة قبل الحرب فقد جاء حاكم المنطقة بنفسه لرؤيتها واختبار فوائدها. اعتاد الرجلان العيش بدون كهرباء، والحفاظ على علاقة فريدة في هذه القرية المهجورة التي تعيش على إيقاع ضجيج الحرب الذي يبعد بضعة كيلومترات عن نوافذهم. ثم في يوم من الأيام قرر سيرجيتش إخراج نحلاته إلى الخارج. ثم بدأ رحلة ستأخذه من أوكرانيا إلى القرم..
«إنه كتاب رائع»،علق العديد ممن حضروا حفل التوقيع فهو يظهرعبثية هذه الحرب بروح الدعابة والسخرية»مؤكدين على ان كوركوف يقول الحقيقة خاصة وانهم طالعوا كتبه السابقة ومنها رواية (الساعة الأولى) ورواية (البطريق) الصادرة عام 2000 عن دار ليانا ليفي للنشر..وبعد الحفل قال كوركوف لقرائه انه سيعود الى بلده اوكرانيا لأنه قرر ألا يغادرها على الرغم من الدعوات العديدة التي تلقاها من جميع انحاء العالم لاستقباله..لكنه اجاب قبل ذلك على اسئلة الحوار الذي أجراه معه موقع فرانس انفو الثقافي وجاء فيه:
كيف ولدت لديك الرغبة في الكتابة عن هذه الحرب في دونباس؟
- التقيت بشاب جاء من دونيتسك وافتتح مقهى في كييف. أخبرني أنه كان يذهب بالسيارة بانتظام لإحضار الأدوية والإمدادات الأخرى لعائلة بقيت في القرية. وكانوا يمنحونه الخضار من حديقتهم. لم أرغب في تأليف كتاب عن الحرب، قلت لنفسي، سأكتب عن الحرب بعد عشر سنوات، عندما تنتهي الحرب. لكن أثناء الحديث مع هذا الشاب، قلت لنفسي إنه منذ بداية الحرب تم نشر العديد من الأعمال حول هذا الموضوع، ولكن عن الجيش. اما انا فأردت أن أكتب عن المدنيين وعن الأشخاص الذين تم التخلي عنهم هكذا في مناطق الحرب والذين يحاولون البقاء على قيد الحياة.
هل القرية التي تتحدث عنها موجودة بالفعل؟
- لقد اخترعت القرية الموجودة في الرواية، لكنها تقع في مكان ملموس. كنت أسافر كثيرًا إلى دونباس قبل الحرب ثم عدت إلى هناك ثلاث مرات منذ بداية الحرب، وسافرت على طول هذا الخط الأمامي. يوجد في دونباس قرى أو بلدات كبيرة تم بناؤها هناك لإيواء العمال لأنها كانت منطقة صناعية بها مناجم ومصانع. لقد اخترعت قرية صغيرة للحديث عن أولئك الذين بقوا في مناطق هجرها معظم السكان.
ماهي بالضبط هذه «المنطقة الرمادية»؟
- المنطقة الرمادية هي تلك التي كانت على طول هذا الخط الأمامي، والتي امتدت لمسافة 430 كيلومترًا، وهي المنطقة المحصورة بين الانفصاليين والجيش الروسي من جهة والجيش الأوكراني من الجانب الآخر. المنطقة الرمادية هي مكان لم يبق فيه شيء، لا متاجر بقالة،ولاكهرباء، ولا صيدليات، ولا بنية تحتية أو خدمات حكومية. لا يوجد سوى السكان الذين أرادوا البقاء. هؤلاء الناس ليسوا تحت السيطرة، إنهم يحاولون فقط البقاء على قيد الحياة في هذه الأرض الحرام.
كتابك له دلالات خيالية، أليس كذلك؟
-عندما بدأت الكتابة لم أكن أعرف كيف سيتطور الوضع في دونباس. كانت الحرب مستمرة لمدة 8 سنوات، واعتقدت أنها حالة حرب، لكنها حالة مستقرة، مع السكان الذين اعتادوا على التكيف مع حالة الحرب. لكن منذ المرحلة الجديدة، انتقلنا إلى حرب شاملة، وهي أكثر خطورة بكثير، واختفت المنطقة الرمادية ولا أعرف حتى ما إذا كان أولئك الذين عاشوا في هذه المنطقة قد نجوا. أود أن أقول أنه عندما تلاحظ الواقع، عندما تكتب عن الواقع، يمكنك أن تتنبأ قليلاً بالاتجاه الذي ستتخذه الأحداث.
أين الكتاب الأوكرانيين اليوم، ما هو الدور الذي يمكن أن يلعبوه؟
-لقد توقف الكتاب في أوكرانيا عن الكتابة اليوم. لقد توقفت بنفسي عن العمل على الرواية التي بدأتها في 24 شباط في الخامسة صباحًا عندما أيقظتني الانفجارات الأولى. كما قتل عدد من الروائيين الأوكرانيين، وأصبح آخرون جنودًا، وذهبوا إلى الجبهة للقتال. وبعضهم سافروا إلى الخارج، لكنهم قليلوالعدد، ثلاثة أو أربعة، لا أكثر. من ناحيتي سأعود. أعيش في غرب أوكرانيا وسأعود إلى هناك. ولن أفكر في الخطر..
كتابك ليس مانويًا على الإطلاق. انه يصف الموقف دون أن ينحاز فعلاً إلى أحد الأطراف، لماذا؟
-هذه هي «المنطقة الرمادية». لذا فهي ليست سوداء أو بيضاء. علينا فقط أن نحاول فهم ما يحدث لأولئك الذين يعيشون في هذه المنطقة، والذين هم أنفسهم لا يفهمون ما يحدث. أنا أؤمن بعدم الحكم على الناس بناءً على المكان الذي يعيشون فيه.
شخصية سيرجيتش هي شخصية جميلة جدا، رجل طيب، يشبه إلى حد ما شخصيات جان جيونو، من أين استهلمت الشخصية؟
- إنه رجل بسيط غير متعلم يحاول فهم الحياة من خلال مقارنة السلوك البشري بسلوك النحل. التقيت بالعديد من الأشخاص مثله في دونباس قبل الحرب. إنه مكان خاص. الناس مرتبطون جدًا بمنطقتهم، ولا يسافرون كثيرًا. قبل بضعة أسابيع، ذهبت إلى بوخارست حيث كان هناك لاجئون من دونباس، وتفاجأ أفراد الجمعيات برؤية عائلات تصل مع كل متعلقاتها مكدسة في أكياس. لكن هذا طبيعي، لأنهم لم يسافروا على الإطلاق قبل الحرب، فليس لديهم أي حقائب سفر! أعتقد أن التفاصيل الصغيرة من هذا القبيل هي التي تقول الحقيقة، وتشرح الأشياء بشكل أفضل بكثير من الكليشيهات التي تنقلها السلطة السياسية. ومنطقة دونباس هي منطقة مشبعة ببعض الحنين إلى الحقبة السوفيتية، اذ كان هذا هو الحال قبل هذه المرحلة الثانية.انه حنين تحتفظ به الدعاية الروسية. واليوم، لا يُعرف ما تبقى هناك، إذا نجا السكان
لقد استخدمت دائمًا السخرية والفكاهة في كتبك، فهل لا يزال ذلك ممكنًا حتى اليوم؟
-نعم. المفارقات، الفكاهة، إنها في طبيعتي. ومن عاداتي. لا يسعني إلا البحث عن الأشياء المضحكة في الواقع. لكنها حرب، لذا يوجد هنالك نوع من الكآبة في هذا الكتاب. لكن الفكاهة هي التي تحمينا من أهوال الحرب. إنها شكل من أشكال المقاومة.
تغير مصير كتابك مع اندلاع هذه الحرب، ما رأيك؟
-نعم هي صدفة نادرة في التاريخ. صدر الكتاب قبل أسبوعين أو ثلاثة أسابيع من بدء الحرب. آمل أن يكون كتابي مفيدًا، وأن يساعد كل من لديهم أسئلة حول أوكرانيا، وحول الحرب.
وكيف ترى مستقبل بلدك؟
-هذه الحرب هي حرب بين طريقتين متعارضتين جذريًا في التفكير، من ناحية،الفكر الجماعي الذي يعشق قيصره، ومن ناحية أخرى عقلية أوكرانية فردية وأناركية. من الصعب القول كيف سيتطور الوضع. أعتقد أن الأمور ستزداد سوءًا في الأسابيع المقبلة. لكني أعتقد أن الأوكرانيين لديهم الدافع للمقاومة أكثر من الروس للهجوم. ومن ثم فإن الصراع بين الماضي والمستقبل، والمستقبل لا يمكن أن يخسر.