عبدالوهاب عبدالرحمن
توطئة
أثار الرسام ماجريت اسئلة قامت على مفارقة غريبة وعميقة في التحول بين الشئ الحقيقي الملموس مقابل صورة تشاكله في الملمح وتخلفه في الرؤية،
لاثارة نوع مغاير لفعل التلقي يحقق زخما حسيا يمنح الاثر الفني ابعادا تغاير واقع الاصل.. وما فعله ماجريت ليس أكثر من ان يرسم (غليونا) باسلوب يطابق الواقع.. وعلق على الرسم قائلا:
« هذا ليس غليونا، انه رسم “ مؤكدا ان الغليون المرسوم “ ليس غليونا بالفعل ان هو ألا صورة غليون.. وتلك هي (الخيانة) لأننا لن نقدر في النهاية أن نمد ايدينا ونحشو الغليون تبغا، وندخنه «
وهنا حدد فكرة التماثل الشكلي للشئ الذي أثار اشكالية “ العلاقة بين الصورة والكلمة “.. لتبقى هذه الاشكالية مؤثرة مغيرة في عملية التلقي والتفاعل مع الاثر المنقول من اصل له وجود واقعي محدد الشكل.. وبهذا اجترح ماجريت فلسفة تلق تحتاج لفهمها ان نستعرض اهم مراحل التطور بين فنون التشكيل بين أصل منقول شكلا دون ماهية تتجسد على مثال مختلف.. بكل ما يثيره من تفصيل فني يعاكس اصل موجود على غير ما نراه وندركه واقعيا.. وفنون التشكيل بكل انواعها بين التقليد والتحديث تهتم بالمرئي المقروء بأبجدية تتكون من ابتكار الفنان.. كشفا لغويا يعيد قراءة المخطوطات بتعدد مستويات الدلالة الحسية ترجمة لمبهمات يضعها الفنان في تضاعيف تفاصيل الخط غير المرئية.. ليوحي بتجلياتها المتفجرة من اعماق عالمه وهو يفيض بكل محمولات الدواخل.. هذا ما استوحيته من تجربة الفنان ضياء بكل تقلباتها الاسلوبية المقلقة.. التي يبدو فيها انه في حالة تجاوز سريع حقق فيه ابتكارا لافتا عابرا مهاراته الحرفية التي تلقاها بفعل التقليد والمحاكاة ليتجاوزها بعيدا الى ما وراء الصنعة وتقنية المهارة الخطية.. ليتعمق في ما وراء الخط الظاهري الشكل الى ما يمثله من عمق رؤيوي يتقصى كشوفات الدلالة بروح تكوينية تعتمد عفوية الخط وهو يجول في فضاء اللوحة منطلقا من اعماق همومه ونوازع تأتي بتلقائية القصد.. باسلوب التعويم التشخيصي الواضح المعالم الى اسلوب التجريد وهو يختزل خطوطه مشبعا اياها بدينامية التحول المستمر مع تحولات رؤى التلقي التي غالبا ما تولد من الخط معان تحتاج الى عمق التأمل الجمالي في تداعيات لصور اخرى تأتي بأنساق يتنوع فيها مستوى القراءة..
تمت إعادة توجبه رسالة بواسطة Istenad
Istenad Haddad
وتدل خطوطه على تجربة ذاتية مشحونة بطاقة تخييلية لما يدور في دواخله من هواجس قلقة تبحث لها عن شكل يحتوي امتداداتها لتتشكل ببساطة وثراء وعمق دلالي يشي بتعبير خطي له ملامح مميزة تصدر غالبا من موروثات تجربته بكل موحياتها وتشكلاتها المستمرة وتفاعلها التلقائي عبر تجليات تتماهى مع ما يثيره فعل التلقي من انعكاسات تفتح حوارا دائما مع المتلقي بكثافة حسية تكشف عن مضامين تصدر عن وعي التلقي وهو يتراسل اشاريا مع قيم المعنى وجمال تجسيده..
وارى ان على النقد التشكيلي ان يراهن على هذا الجيل وما قدمه ويقدمه من تجارب صادقة وهي ترصد وتكشف هموم الابداع وما يعتوره من تحولات سريعة تفتح ابوابا لآفاق جمالية تدفع باتجاه تنويع نماذجه وفتح فضاءات للتأمل من زوايا مختلفة تؤكد ان فنون التشكيل ما عادت تمثل محاكاة جامدة لحركة الواقع بل مساهمة في خلقه عبر تحليل لمركباته وتركيب يثير الدهشة وحس التغيير لتحقيق اساليب تعبير يتعذر توصيفها بفهم تقليدي.. فالوجه يمثل عالما له امتدادات تخترق فضاء يغري بالدخول لعوالم مجهولة تحتاج رصدا وكشفا لاسراره وخفاياه.. وهذه لغة تتوق لقراءة ما وراء المرئيات وما تختزنه من فيوضات روحية تعمق من اثر البحث عن تجليات تتمثل في ذواتا متنوعة في صورها وهي تعكس صورا تتنوع فيها زوايا الرؤية والفهم لوجه يشكل علامة وفكرة تتجسد بانفعال بصري له وقع مغاير على احساسات الرؤى وهي تجابه نوعا جديدا من فعل الاغتراب عن الواقع والنفس بسبب ما يحيط الانسان من مرارة الوجود التي شوهت دواخله لتتمظهر باشكال فاقدة لجمال التكوين.. وقدرة البحث عن اصالة وحقيقة ملامح بدات تفقدها بحكم ما تعانيه من انكسارات بدت واضحة بقوة في ما يقدمه الفنان ضياء وهو يعاني قبل شخوص لوحاته من مرارة الفقد والاحساس بالغربة التي تدفع باتجاه منافي تبعده عن واقعه الذي يتمنى..
ارى ضرورة لايراد امثلة من تاريخ غربة الفنان وهو يعاني البحث لابتكار اساليب تفيد في التعبير عن مكنونات اعماقه.. ولنا في بيكاسو مثال صارخ على ما اجترحه من اسلوب شديد الغرابة وهو يجسد ما يسمى “ الوجوه المزدوجة “ التي اصبحت عنوانا لاحدى مراحله التي تعاقبت معبرة عن اساليبه الغريبة ليعبر عن ما هو اغرب .. ومن اشهر ما قدمه تخطيطه الفذ لوجه “ المرأة الباكية “ الذي نقل بخطوط حادة حائرة لحالة امراة مفجوعة بأوجاعها.. حتى قيل عنها ان بيكاسو لم يكن يصور وجها بل حالة نفسية.. وكأنه ينبئ بعصر اشد وأمر وأقسى على الانسان وهذا ما حدث وترك آثاره المدمرة على الانسان حتى جعله فاقدا لتكوينه الطبيعي وبالتالي سلوكه المضطرب بتأثير من هذا التكوين الغامض ليجعله في بحث ممض عن وجود آخر..
والفنان ضياء يمثل مع مجايليه مواقف تدعو لاستيعاب منعطفات حادة تحتاج الى اساليب مختلفة لفهمها والتعبير عنها ومجابهة كل ما يشوه الانسان قيمة ووجودا.. وفعلا كان واحدا من أهم المساهمين بجهد حقيقي لتجربة بالغة الخصوبة معتمدا مصادر متنوعة عالمية وتراثية لا تخفي مزاجها العراقي.. ما قدمه يستحق بحق المتابعة والاحتفاء ونزاهة التقييم....