على خلاف القرى المجاورة، أصبحت قرية كاني ماران، في قضاء رانية بمحافظة السليمانية بكردستان العراق، موطنا للقالق المهاجرة التي تعشش فيها لعدة أشهر على مدار العام، وتبني مستوطناتها على أعمدة خطوط كهرباء الضغط العالي والأشجار في أثناء اعتدال درجات الحرارة، لتستقر فيها دون الخوف من سكانها.
وفي ظاهرة عامة ومتكررة، منذ نحو 5 عقود تأتي ذكور اللقالق قبل الإناث إلى القرية منتصف كانون الثاني من كل عام، لتستطلع الأمكنة والأجواء، ومن ثم ترسل أشبه ما تكون بـ"إشارة" إلى الإناث للقدوم إليها على شكل سرب أو أفواج دفعة واحدة، لتبني بعد ذلك أعشاشها المصنوعة من الأغصان والعشب والقش والورق والصوف وغيرها، وفقا لملا عبد الله مراد أحمد (54 عاما) وهو أحد أشد المتابعين لحياة اللقالق وتاريخها في قريته منذ 4 عقود تقريبا. تضع الإناث بيوضها في فبراير/شباط، وعادة ما تكون من 4 إلى 6 بيضات، ثم تبدأ بالتفقيس الذي يكون غالبا في شهري أبريل/نيسان ومايو/أيار، وبعدها تبقى الإناث في أعشاشها بعد التفقيس إلى حين أن تكبر الفراخ وتصبح قادرة على الطيران، على أن تتولى الذكور عملية تأمين الغذاء للأم وفراخها ولا تتقاعد أبدا عن العمل، حسب وصف أحمد.
وردا على سؤال عن أسباب اختيار اللقالق قرية كاني ماران لتكون موطنا لها، يجيب ملا عبد الله بإشارته إلى أن قريتهم تمتاز بكثرة الضفادع والأفاعي والأسماك الصغيرة التي تعد أكل اللقالق الرئيس، والتي تكثر في الأنهر والسواقي الصغيرة في القرية.
وفي إحصائية شبه رسمية، وصلت أعداد اللقالق في القرية المذكورة عام 2017 إلى نحو 510 لقالق من مختلف الأحجام والأعمار، لكنها بدأت تتناقص تدريجيا بعد عام 2016 بسبب ارتفاع درجات الحرارة وانقراض أشجار البلوط أيضا، كما يؤكد ملا عبد الله.
من ناحية أخرى، لطف سكان القرية مع اللقالق دفع هذه الطيور إلى تكوين نوع من الصداقة والود مع أهل القرية، حتى باتت تعشش على أسطح المنازل والمحال التجارية أحيانا، ولم تسجل أية حالة عنف ضدها خلال العقود الخمسة الأخيرة، باستثناء حالة واحدة يستذكرها ملا عبد الله بحسرة؛ إذ وقعت أمامه عندما قام أحد شباب القرية في بداية الثمانينيات من القرن الماضي بإطلاق الرصاص من بندقيته على لقلق كان واقفا على شجرة على مسافة قريبة منه وأرداه قتيلا أمامه.
من جانبه، يقول المصور الصحفي آري مصطفى إن اللقالق توجد في قضاء رانية منذ عدة عقود أكثر من المناطق الأخرى سواء كان ذلك على مستوى الإقليم أو العراق عموما، وهذا ما جعله يسمى محليا "مملكة اللقالق".