ثائر صالح
غطت شهرة فولفغانغ أماديوس موتسارت (1756 - 1791) على كل ما يتعلق بأخته الكبيرة ماريا آنّا فالبورغا إيغناتسيا موتسارت (1751 - 1829).
ماريانه كما كانت تدعى أو نانرل حسب كنيتها في البيت وبين الأصدقاء، هي الجزء المكمل لأخيها فولفغانغ في طفولتهما عندما طاف بهما أبوهما ليوبولد موتسارت في أوروبا لعرض مواهبهما في القصور باعتبارهما معجزة، لقدراتهما الموسيقية الفذة من عزف وتأليف. لكن هذا الأمر توقف بالنسبة لها بعد سنة 1769 عند بلوغها الثامنة عشرة، بسبب العادات في ذلك الوقت. منذ ذلك الحين جاء الزواج والعائلة والأطفال، واقتصر نشاطها في الموسيقى على تعليم العزف على الهاربسيكورد والبيانوفورته. وعند عودتها إلى مسقط رأسها زالتسبورغ بعد وفاة زوجها، استمرت في تعليم العزف، بل قدمت حفلات في قصر الأمير أرنست فون شفارتسنبرغ كعازفة بيانو منفرد.
علاقتها مع أخيها كانت وثيقة للغاية، وكانت مثاله الأعلى. كان موتسارت الصغير يفعل كل ما في وسعه لتقليدها عندما بدأ أبوه تعليمها العزف على الهاربسيكورد، فتعلم هو الآخر العزف بسرعة. وقد ضمن ليوبولد الأب بضعة أعمال لفولفغانغ الصغير مع مجموعة تمارين للعزف في “كتاب نانرل للموسيقى”، وهي أول أعمال وصلتنا من تأليف موتسارت (جمع الأب هذه الأعمال بين 1759 - 1764). تضمن الكتاب 48 ورقة وصلتنا 36 ورقة منه، تضمن أعمال من تأليف الأب ليوبولد موتسارت، وعمل واحد من أعمال كل من كارل فيليب إيمانويل باخ والنمساوي جورج كريستوف فاغنزايل (أعماله لا تستحق الإهمال الذي تلاقيه الآن) والألماني السويدي يوهان يواخيم آغْرَل والألماني يوهان نيكولاوس تيشر، بالإضافة إلى أعمال يجهل مؤلفها.
لم تصلنا أية أعمال كتبتها ماريانه، لكن هناك إشارات في مراسلاتها مع أخيها إلى كتابتها بعض الموسيقى، فهو يمتدح أعمالاً أرسلتها إليه. ولا يستبعد أن تكون ملكة البنت الموسيقية مكتملة، وقد تكون مؤلفة قديرة لو سمحت لها الظروف، ولدينا أمثلة كثيرة على قدرات موسيقية عالية تمتعت بها موسيقيات في القرنين الثامن والتاسع عشر، بل حتى قد تفوق هذه القدرات إمكانيات بعض الموسيقيين الرجال المشهورين في تلك الفترة، مثل كلارا شومان وفانّي مندلسون.
بالمقابل كان موتسارت يرسل إليها نسخا من أعماله، بالخصوص كونشرتات البيانو حتى فترات متأخرة. بدأت المراسلات بينهما بالخفوت بعد انتقال موتسارت إلى فيينا في 1781 وتحرره من سيطرة الأب، وخفت أكثر بعد زواجه من كونستانتسا حتى انقطعت بعد سنة 1788 تماماً.
يبدو أن ماريانه بقيت تحت سيطرة أبيها في حين ابتعد فولفغانغ تدريجياً ليتحرر منها، في البداية بانتقاله إلى فيينا، ثم بزواجه من كونستانتسا وهي زيجة لم يرض عليها الأب في البداية، لكنه تقبلها في آخر الأمر. وقد حث فولفغانغ ماريانه على الزواج من رجل أحبته، بيد أنها تزوجت رجلاً ترمل مرتين ولديه خمسة أطفال. ولا أستبعد تأثير الأب في هذا القرار.