سامر الياس سعيد
قصّةُ لاعب المنتخب الأسترالي اوير مابيل تستحقُّ التوقّف عندها، والتأمّل فيها جيّداً، فاللاعب المذكور لديه قصّة تحدّي أسهمت بإيصال منتخب أستراليا الى المونديال للمرّة الخامسة على التوالي، برغم أن اللاعب المذكور ولِد في مخيّم للاجئين بكينيا حيث نزح هو ووالديه من جنوب السودان.
وتغرق الصحف ووسائل الإعلام قاطبة بالإجراءات التي تُتّخذ من قبل الحكومات لاسيما الأوروبية لإيقاف الهجرة اليها، وتبدو كمثال الحكومة البريطانية في موقف لا يُحسد عليها جرّاء تفكيرها بنقل اللاجئين غير الشرعيّين الى دولة أفريقية مغمورة حيث تبيّن وسائل الإعلام هناك وجهات نظر تُبرِز قُصر النظر في تعامل الحكومة البريطانية إزاء جموع اللاجئين وإمكانية نقلهم الى مناطق أخرى لوضع حدّ للهجرة المتزايدة سواء اليها أو لعموم بلاد القارّة الأوروبية.
أما أستراليا، فتمتلك قصص نجاح غير مسبوقة اسهم فيها اللاجئون وهم في تزايد مستمر، ومنهم اللاعب المنحدر من جنوب السودان، والذين تمكّن من لفت الانظار اليه بعد نجاحه في حسم ركلة الترجيح الأخيرة الى جانب ما اسهم به حارس مرمى المنتخب الأسترالي وهو يُنفّذ رقصة الكنغر على خط المرمى، والتي أربكت اللاعب البيروفي اليكس فاليرا حيث عجز فيها عن إيصال منتخبه لمونديال قطر وترجيح كفّة المنتخب الأسترالي بدلاً عنه.
توقّفت وسائل الإعلام عن تصريحات للاعب جنوب السودان الأصل مابيل خصوصاً وهو يروي قصّة كفاحه بالوصول الى الطموح الأسمى بتمثيل المنتخب الأسترالي، والعبور به الى أهم المحافل الكروية بينما تسود وجهات نظر متباينة إزاء المغتربين ممّن يملكون قدرات كروية لقيادة أي منتخب والوصول به الى المحافل الدولية.
وممّا قاله مابيل في هذا الخصوص أن ركلته الناجحة كانت رسالة شكر أسهم بنقل منتخب بلاده الجديد كونه اِحتواه هو وعائلته بعد رحلة مضنية لاسيما أنه ولد في مخيّم للاجئين، وأضاف هذا اللاعب بأن غرفته في الفندق الذي يقيم فيه بأستراليا أكبر من الغرفة التي كانت ضمن مخيّم للاجئين حيث أشار الى أن أستراليا استقبلته وعائلته وأعادت توطينه وأعطته بمعيّة العائلة فرصة للحياة.
قصّة مابيل ليست الوحيدة في أسفار اللاجئين الذين أضحوا يشكّلون أزمات إنسانية مؤثرة خصوصاً حينما تستأثر الحروب والأزمات بقطع جذور آلاف العوائل لإعادة كتابة تاريخها الحيّ في مناطق أخرى، خصوصاً وإن الافكار تذهب بنا الى مديات كيف سيكون المستقبل بخصوص مابيل لو بقي في موطنه الأصلي، وما هي الاسهامات التي يمكن أن يضيفها لبلده جنوب السودان الذي ما زال منتخبه مغموراً بكرة القدم مقارنة مع التاريخ الذي يمتلكه أصلاً المنتخب السوداني قبل الانفصال والمحطّات التي يمكن أن تؤشّر بروز لاعب عالمي يستحق المتابعة، منحدراً من الدول الأفريقية وقادراً على وضع بصمته المهمة على خارطة الكرة.
لقد استحقَّ مابيل أن يكون نجماً كروياً فوق العادة بالرغم من أن اسهاماته لم تتعدَّ كونه نجح بركلة الترجيحية الحاسمة بإيصال منتخب أستراليا الى أهم محافل الكرة، لكنّه أيضاً نجح بتلك الركلة في أن يمرّر رسالة آلاف النازحين والمسكونين بهموم اقتلاعهم من أوطانهم والبحث عن وطن آخر بديل لغرض تسطير سطور التحدّي في ثنايا أسفار تلك المواطنة الجديدة بعد أن أرغمتهم الحروب والأزمات على قطع صلة تلك الدول الأم والبحث عن أمهات بديلة لغرض الشروع في أن يكونوا على قدر المسؤولية، لذلك تومض دولة جنوب السودان كضوء خافت في حديث مابيل بينما تسطع أستراليا بوميض زاهي في تصريحات اللاعب المذكور خصوصاً حينما يتحدّث عن دوره المستقبلي بالتأثير في كرة القدم الاسترالية حيث لا ينكر الدور الجماعي لأقرانه بتحقيق ذلك الانجاز والذي يلخصه بالإشارة الى كونه عبارة عن كلمة شكراً يقولها لأستراليا.
وفي هذا المقام تبدو تشكيلة المنتتخب الفرنسي الفائزة بمونديال عام 1998 كأبرز النماذج المستقاة في إبراز الثقافات التي يمكن أن تنتج انجازاً كروياً بامتلاك تلك التشكيلة على نجوم تنحدر أصول أغلبهم من دول مختلفة في قارات العالم ليحققوا لفرنسا الدولة الأوربية انجازها الكروي الأوّل في ذلك العام.