TOP

جريدة المدى > أعمدة واراء > العمود الثامن: حسقلوها !!

العمود الثامن: حسقلوها !!

نشر في: 25 يونيو, 2022: 11:34 م

 علي حسين

كان ساسون حسقيل وزير المالية في العهد الملكي الذي مر على رحيله " 90 " عاما ، شخصاً مدهشاً حقاً. شاب ذكي ينتمي إلى طبقة الأغنياء، يهيئه أبوه لتسلم تجارته الواسعة، لكنه يتركها ليدرس القانون ومن ثم الاقتصاد ويتقدم في العمل السياسي ليصبح أحد أعضاء مجلس النواب إلى أن يصبح أول وزير مالية في الدولة العراقية الناشئة،

ثم وجهاً سياسياً يجادل نوري السعيد في معنى الديمقراطية، ويغضب الملك بسبب مراقبته مخصصات البلاط، ويمنع ياسين الهاشمي من استغلال منصب رئيس الوزراء في إثارة الخلافات السياسية، ويحسقل الموازنة من أجل أن يجعل من الدينار العراقي الحديث الولادة، أكثر عافية من الجنيه الإسترليني

ما الذي كان يغيظ هذا السياسي البارع؟، إنهم أصحاب الخطب الرنانة. ويذكر مؤرخو سيرته أن حسقيل كان رئيس اللجنة المالية في مجلس النواب، وفي إحدى الجلسات احتدم النقاش حول قضية مالية، فقام أحد النواب وبدأ يخطب بطلاقة وبلاغة وأطال في الكلام، وكان كلاماً جميلاً يدور حول كل شيء إلا المال والاقتصاد، فضاق ساسون ذرعاً به وقاطعه قائلا: "خطبتك هذه ما توكل الناس خبز" .

مسلسل الخطباء الذين ابتلينا بهم، أصابنا جميعاً بالحيرة، فحتى هذه اللحظة لم نتوصل إلى تحديد ماذا يريدون، الجميع يتحدث عن التغيير مثلما يخبروننا كل مرة ، ولكن بشروطهم ، نجدهم ليل نهار يصرخون بانهم عازمون على التغيير، يقولون لك إنهم عاكفين على إعداد الرؤية، والرؤية تريد وقتاً والوقت يحتاج إلى صبر، والصبر مفتاح الفرج، والفرج لا يتم إلا بانتقال " ابو مازن " من السيادة الى عزم ، او باستعادة واحدة من خطب ابراهيم الجعفري الذي لا ندري بأي أرض يخطب الآن.

ولأننا متأكدون من أن أبطال "التغيير" لن يتركونا في حالنا، يطاردوننا في الفضائيات وعلى واجهات الصحف كل يوم يصرون على جعلنا جزءاً من الأحداث على طريقة مسلسلات الواقع، وليذكروا الناس أن لا خيار أمامهم سوى التسمّر أمام شاشات التلفزيون، لمتابعة مقاطع كوميدية ، وحوار لا يخلو من طائفية مقيتة .

لن يكتب للتغيير النجاح في ظل خطب الساسة وعنجهيتهم وانشغالهم بالتوازن. كسبت الشعوب الحية المنافسة بالأشياء البسيطة في الحياة، الرفاهية، العدالة، والتسامح، أما نحن، فمكسبنا الوحيد خطابات مصنوعة بدول الجوار .

تشكل تصرفات مسؤولينا وسياسيينا إدانة أخلاقية ليس لجوهر العمل السياسي فقط، بل للكيفية التي يتعامل بها البعض مع مفهوم ادارة مؤسسات الدولة،أصبحنا نقرأ ونسمع عن مسؤولين فاسدين وظفوا موازنة دوائرهم لمنافعهم الشخصية، وغادروا من غير أن يتركوا منجزا واحدا يذكر الناس بما يجري ، فقط رفعوا شعار " حسقلوها " في وجه المواطن

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق ذاكرة عراقية

الأكثر قراءة

العمودالثامن: في محبة فيروز

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

العمودالثامن: تسريبات حلال .. تسريبات حرام !!

الفساد ظاهرة طبيعية أم بسبب أزمة منظومة الحكم؟

قناديل: (قطّة شرودنغر) وألاعيب الفنتازيا

العمود الثامن: ليس حكماً .. بل مسرحية كوميدية

 علي حسين قالوا في تسويغ الافراج عن بطل " سرقة القرن " نور زهير ، ان الرجل صحى ضميره وسيعيد الاموال التي سرقها في وضح النهار ، واخبرنا القاضي الذي اصدر قرارا بالافراج...
علي حسين

العراق بانتظار العدوان الإسرائيلي: الدروس والعبر

د. فالح الحمــراني إن قضية أمن البلاد ليست ذات أفق عسكري وحسب، وإنما لها مكون سياسي يقوم على تمتين الوحدة الوطنية والسير بالعملية السياسية على أسس صحيحة،يفتقدها العراق اليوم. وفي هذا السياق يضع تلويح...
د. فالح الحمراني

هل هي شبكات رسمية متشابكة أم منظمات خفية فوق الوطنية؟

محمد علي الحيدري يُشير مفهوم "الدولة العميقة" إلى شبكة من النخب السياسية، والعسكرية، والاقتصادية، والاستخباراتية التي تعمل خلف الكواليس لتوجيه السياسات العامة وصناعة القرار في الدولة، بغض النظر عن إرادة الحكومة المنتخبة ديمقراطيًا. ويُعتقد...
محمد علي الحيدري

الليبرالية والماركسية: بين الفكر والممارسة السياسية

أحمد حسن الليبرالية والماركسية تمثلان منظومتين فكريتين رئيستين شكلتا معالم الفكر السياسي المعاصر، وتُعدّان من الأيديولوجيات التي لا تقتصر على البعد الفلسفي فحسب، بل تنغمس أيضًا في الواقع السياسي، رغم أن العلاقة بينهما وبين...
أحمد حسن
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram