د. محسن علي حسنتشريعات منع الإحتكار في العراقمرّ الاقتصاد العراقي بفترات عصيبة منذالسنوات الاولى لتأسيس الدولة العراقية الحديثة عام 1921، وازدادت الأوضاع الاقتصادية سوءاً بعد اندلاع الحرب العالمية الثانية عام 1939. ورغم ان العراق لم يكن مشاركاً في الحرب بصورة مباشرة
إلا انه لم يكن بمناْى عن تأثيراتها حيث تدهورت الصادرات وتعثرت الاستيرادات وانعكس ذلك على ارتفاع اسعار المواد الغذائية والحاجات الاساسية ما اضطر الحكومة الى اصدار مرسوم تنظيم الحياة الاقتصادية خلال الازمة الدولية رقم 58 لسنة 1939.وبسبب أحداث حركة مايس وما رافقها من ازمة مالية حادة واستمرار ارتفاع الاسعار واضطراب الاسواق قامت الحكومة بتشريع قانون منع الاحتكار رقم 73 لسنة 1941،ولم يمض سوى عام واحد حتى اعلن العراق الحرب على دول المحور الثلاث بعد اتهامها بالتدخل في الشأن العراقي وضلوعها بدعم الحركة مما جعل الوضع السياسي والاقتصادي اكثر تعقيداً.وقد اتخذت الحكومة إجراءات عدة للسيطرة على الاسعار وتوفير الحاجات الضرورية ومنها اصدار قانون تنظيم الحياة الاقتصادية رقم 11 لسنة 1942الذي الغى المرسوم والقانون السابقين ثم أعقب ذلك صدور قانون تنظيم الحياة الاقتصادية رقم 41لسنة1943الذي ظل نافذاً لثلاثة عقود حتى تم الغاؤه بالقانون رقم 20 لسنة 1970.وفي أعقاب احتلال الكويت اصدر مجلس قيادة الثورة قراره المرقم 315في 11/8/1990 الذي اعتبر احتكار المواد الغذائية لأغراض تجارية جريمة وعملاً تخريبياً يمس كيان الأمن الوطني والقومي وفرض عقوبة الاعدام ومصادرة الاموال المنقولة وغير المنقولة على المشمولين باحكامه.وقد تبع ذلك صدور القرارين رقم 365 في 5/9/1990 ورقم 442 في 1/12/1990 اللذين نصّا على فرض عقوبات شديدة ايضاً.وكانت الحكومة قبل صدور تلك القرارات قد امرت بتاريخ 13/6/1990بتشكيل لجنة من كبار موظفي ديوان الرقابة المالية ووزارات التجارة والصناعة والمالية والتخطيط لدراسة مشروع قانون لمنع الاحتكار في الاقتصاد العراقي على ان تستفيد اللجنة من التشريعات النافذة والتوسع فيها ومن تجارب الدول الاخرى ، غير ان المشروع توقف بعد مناقشات واجتماعات عدة في مجلس شورى الدولة ولم ير النور بسبب الاوضاع السياسية السائدة آنذاك ، وقد يكون لقرارات مجلس قيادة الثورة مارة الذكر السبب المباشر في صرف النظر عن المشروع . ويتضح من السرد التاريخي للتشريعات العراقية المتعلقة بمنع الاحتكار ان اجراءات الحكومة كانت تقتصر على التعامل مع الممارسات التجارية التي تعدها ضارة بالمجتمع .وكان تخزين المواد من قبل التجار هو الشغل الشاغل لتلك التشريعات . وحيث ان المفاهيم التي تضمنتها القوانين والقرارات المذكورة آنفاً مثل (الاحتكار) او( الاضرار بالمجتمع ) وما شابه ذلك لم تكن محددة بما فيه الكفاية، لذا فان سياسة الحكومة نحو المنافسة والاحتكار كانت بحاجة الى اهداف معرفة بشكل جيد، كما ان قراراتها سواء في هذا الحقل او في الحقول الاخرى من السلوك التجاري كانت في الغالب مبنية على تقديرات سياسية .قانون المنافسة ومنع الاحتكار لسنة 2010 يعتبر العراق متأخراً جداً في مسار سياسة الاحتكار، إذ يأتي بعد ( 120 عاما)ً منذ أول تشريع صدر في الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد ( 62 عاماً) من أول تشريع صدر في بريطانيا . ففي 12/1/2010 صادق مجلس النواب على قانون المنافسة ومنع الاحتكار وهو اول تشريع يستند على المفاهيم العلمية الحديثة في النظرية الاقتصادية وعلى تجارب بعض الدول المتقدمة مع الأخذ بعين الحسبان خصوصية الأوضاع الاقتصادية والسياسية الراهنة في العراق والإمكانات الإدارية والفنية والخبرات المتيسرة فيه. ويهدف القانون الى تنظيم المنافسة ومنع الممارسات الاحتكارية الضارة بالمجتمع التي يقوم بها المستثمرون او المنتجون او المسوقون او غيرهم في جميع النشاطات الاقتصادية، كما ان الأسباب الموجبة لتشريع القانون تؤكد على اهمية المنافسة ومنع الاحتكار في خلق حافز لتخفيض الكلفة والسعر وتحسين الجودة بالنسبة للسلع والخدمات المعروضة في السوق ما يؤدي الى تشجيع القطاعات الخاص والعام والمختلط وتطويرها دعماً للاقتصاد الوطني وحسن الانسيابية للسلع والخدمات، وهذا يعني ان هناك ادلة لدى السلطات الحكومية بأن الممارسات الجماعية المقيدة ( بكسر الياء والدال ) كانت منتشرة في الاقتصاد العراقي ما يستوجب اصدار تشريع خاص يهدف الى الحد من مثل تلك الترتيبات .ولتحقيق تلك الاهداف ومتابعتها فقد حدد القانون بوضوح آليات التنفيذ ومنها قيام مجلس القضاء الاعلى بتشكيل محاكم من قضاة ذوي خبرة ومعرفة للنظر في النزاعات الناشئة عن حماية المستهلك والمنافسة ومنع الاحتكار وقضايا الشركات والاتفاقيات التي تحال اليها،على أن أهم الآليات التي نص عليها القانون هو تشكيل (مجلس شؤون المنافسة ومنع الاحتكار) الذي يتمتع بالشخصية المعنوية والاستقلال المالي والاداري، وكانت هذه النقطة بالذات مثار نقاش عميق في اللجنة الاقتصادية
إندماج الشركات والممارسات التجاريةالمحظورة في قانون
نشر في: 5 يوليو, 2010: 04:30 م