TOP

جريدة المدى > سينما > " وداعاً سولو! " .. كيف يرتفع الفيلم بنفسه فوق حبكة القصة؟

" وداعاً سولو! " .. كيف يرتفع الفيلم بنفسه فوق حبكة القصة؟

نشر في: 5 يوليو, 2010: 04:48 م

ترجمة: عادل العاملممثلان. أحدهما من أفريقيا. والآخر رجلٌ كان حارساً شخصياً لألفيس بريسلي. ومَن بكون سوى رامين بحراني سيمكنه أن يجد هذين الرجلين ويقرنهما معاً في قصة ذات قوة وعمقٍ يوجعان القلب؟ وبحراني هوالمخرج الأميركي العظيم الجديد. إنه لا يتحرك خطوةً في الاتجاه الخطأ أبداً. فهوفي " وداعاً سولو" يبدأ بموقف يمكن أن يتجلّى بطرقٍ مختلفة كثيرة ويجعل منه شيئاً أصيلاً وعميقاً. إنه فيلم عن الرغبة في تقديم المساعدة والرغبة في عدم الحصول عليها.
ففي مدينة ونستون ــ سالم، بولاية نورث كارولينا، يدخل رجلٌ أبيض في السبعين من عمره تقريباً في تاكسي مهاجر أفريقي. ويعرض عليه صفقة. ففي مقابل 1000 دولار تُدفع على الفور، يريد منه أن يأخذه بسيارته خلال 10 أيام إلى قمة جبل في بلوينغ روك بارك، إلى مكان عاصف جداً إلى حد أن الثلج يتناثر هناك. وهولا يقول أي شيء عن رحلة العودة. أما السائق، فيأخذ المال لكنه غير سعيد بهذه الأجرة. ويطرح بعض الأسئلة فيقول له أن يهتم بعمله فقط.والآن لننظر إلى هذين الممثلين. . إنهما لا يمثّلان نفسيهما، وإنما يستحضران شخصيتيهما تماماً إلى حد أن الشخصيتين يمكن أن تكونا هما أيضاً. يقوم ريد ويست بدور وليام، الرجل الأبيض. ووجه ويست نفسه خارطة لحياةٍ صعبة. فقد كان في البحرية الأميركية وملاكماً. وأصبح صديقاً لألفيس في المدرسة الثانوية. وصار حارسه وسائقه الشخصي من عام 1955 ــ عضواً مؤسسا في " مافيا ممفيس ". وانشق مع ألفيس بعد كسر قدم ابن العم الذي كان يجلب لألفيس المخدرات. أما سوليمين ساي سافين، فيقوم بدور سولو، سائق التاكسي. وهومن ساحل العاج، ولوأن شخصية القصة من السنيغال. وكان سافين مرافق طيران لشركة أير أفريك. وهوالعمل الذي يبحث عنه  سولو، الذي يعيش في ونستون ــ سالم، وهومتزوج من امرأة أميركية مكسيكية، وتعجبه ابنة المرأة الشابة، ويتصرف كأبٍ لها. ونجد وجه وليام قد جُعِل ليبدوفي حالة سُكر. أما وجه سولو، فهومعمول ليبتسم. ونحن لا نتحدث هنا عن ثنائي شاذ أوغريب الأطوار. إننا نتحدث عن طبيعة بشرية. فالواحد لا يستطيع أن يتعلم التصرف هكذا. ولقد عمل بحراني، المخرج، مع الممثلين لأشهر عديدة. فكان سافين يسوق في ونستون ــ سالم. وقضى ريد ويست حياته في حالة تمرّن على دور وليام (ولوأنه في حياته الواقعية طيّب وودود، كما يُقال). وكان بحراني ومصوّره مايكل سيموندز يناقشان كل لقطة. ومع أن الفيلم مستقل بقلبه وروحه، فإنه كلاسيكي بأسلوبه. وهونقيّ نقاء شيءٍ ما من جون فورد. وفقط لقطته النهائية يمكن أن تستدعي الانتباه إليها بالذات ــ لكننا، في الواقع، لا نفكر باللقطة، وإنما نفكر بما حدث ولماذا.ولا يظنَّنّ القاريء أن الفيلم كله يدور في التاكسي، فهويحدث في ونستون ــ سالم، وهي مدينة تتّسم بالألفة لأن بحراني ولد ونشأ هناك. ونحس بإيقاعات حياة سولو.وكذلك بعلاقته مع زوجته، كويرا (وتمثّلها كارمن ليفا)، وفخرهما بابنتها، أليكس (ديانا فرانكوغاليندو). وكما هي الحال مع الكثير من سوّاق التاكسي، يعرف سولوأين يمكنك أن تجد مخدراتٍ أوشريكاً جنسياً. لكنه ليس تاجر مخدرات أوقوّاداً، وإنما هومخلوق  للخدمة الفردية، وسعيد بتقديم المساعدة. وتظهر في الفيلم سيارات يجري تصليحها في الساحات الأمامية، وقليل من الزبائن عند مسرح للأفلام وسطَ البلدة في ليلة عطلة نهاية الأسبوع، وغرفة فندق وحيدة، وحانة. وفي الدقائق القليلة التالية ينادي وليام على سيارة أجرة، ويبدأ يلاحظ أن السائق على الدوام هوسولو. أي حظٍ طيب هذا؟ فبكل ابتهاجٍ يدسّ سولونفسه في حياة وليام ــ يُصبح سائقه، حاميه، مستشاره، وحتى في ليالٍ قليلةٍ رفيقه في الغرفة، وفي الغالب صديقه. ولا يتحدث وليام ولا سولوعن موضوعهما الرئيس، عما يبدوأن وليام موشك على القيام به. يبقى معلقاً في الهواء بينهما. والفيلم في نهاية الأمر ليس عما بفعله وليام وسولو. إنه عن كيف أنهما يتغيران، وكيف أن الفيلم العظيم يرتفع بنفسه فوق الحبكة. فقد تماسّت هاتان الحياتان، وتعلّمتا وتعمّقتا. ونحن لا نهتم في الواقع بهذا كثيراً في ما يتعلق بالشخصيات. فنحن نُحس بأنها ليست على دليل الحبكة الأوتوماتيكي. إنها تتحسس طريقها في الحياة. إن (وداعاً سولو) هوالفيلم البارز الثالث للمخرج بحراني، بعد (رجل يدفع عربة) 2005، و(دكان القطع Chop Shop) 2007. وتدور أفلامه حول الدخلاء في أميركا : باكستاني يدير  عربة للقهوة والفطائر في مانهاتن، أولاد من أصل أميركي لاتيني يزحفون من أجل المعيشة في سوق لقطع السيارات في ظل ملعب شي Shea. والآن سينغالي يريد مساعد أميركي ينتمي بوجهه المتغير إلى الغرب. وكان بحراني ، الذي هاجر والداه من إيران، يشعر بأنه دخيل حين كان يكبر في مدينة وينستون ــ سالم : " كان هناك سود، وبيض، وأخي وأنا ". وهويحب المدينة، وتجده محباً للتعرف على أمور الناس. وقد أخبرني بأنه يسأل نفس السؤال التي تطرحه جميع شخصياته: كيف تعيش في هذا العالم؟!

انضم الى المحادثة

255 حرف متبقي

ملحق معرض العراق للكتاب

الأكثر قراءة

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

"إرنست كول، المصور الفوتوغرافي".. فيلم عن المصور المنفي الجنوب أفريقي

مقالات ذات صلة

فيلم أسامة محمد
سينما

فيلم أسامة محمد "نجوم النهار" استهداف البيئة العلوية كمنتجة للسلطة ومنفذة لها

علي بدرالحكاية تُروى بالضوء والظلعرض أمس في صالون دمشق السينمائي فيلم "نجوم النهار" للمخرج السوري أسامة محمد، بحضوره الشخصي بعد غيابه عن بلاده ١٤ عاما، الفيلم الذي منع من العرض في زمن النظام السابق...
linkedin facebook pinterest youtube rss twitter instagram facebook-blank rss-blank linkedin-blank pinterest youtube twitter instagram