طالب عبد العزيز
يبدو أن مشاريع ايصال الماء العذب الى البيوت في البصرة محصنة من الفساد، وغير قابلة للاختراق من قبل المسؤولين الفدراليين والمحليين معا، أو أنها كذب محض، يجوز لنا التندر بها، وهذا واضح من خلال عزوف الجميع عن تنفيذها، وانهاء معاناة السكان، التي تمتد الى عشرات السنين، الامر الذي باتت الحياة معه غير قابلة للاستمرار.
تشير القراءات الصحية في مياه شط العرب الى أنَّ مستوى الملوحة في مياه شط العرب بمركز البصرة اليوم هو 5540 TDS وهو اعلى من مستواه في مثل هذا اليوم من العام ٢٠١٨ والذي كان بحدودTDS 4100 القضية التي ستطيح بكل جهود المحافظة في معالجة هذا المفصل الحيوي، المتعلق بحياة غالبية سكان المدينة، الذين ناهزوا الـ 4 مليون انسان، حتى لتبدو كل المشاريع الحيوية في المدينة بلا معنى، إذ أنَّ وجود الماء الصالح للاستعمال المنزلي يعني وجود الحياة أو الجزء الاكبر منها.
وهنا يحقُّ لنا أنْ نذكر بأنَّ لسان المد الملحي بات زائراً سنوياً للبصرة، يخسف معه آمال البصريين في انهاء معاناتهم، التي رزحوا تحتها عشرات السنين، والتي صار بموجبها صعوبة تصديق الحكومة في مشاريع خدمية أخرى مثل محطة المحيلة للماء العذب في ابي الخصيب، التي شرب المحافظ منها عشية افتتاحها، في العام الماضي، والتي لم تدخل مياهها البيوت الى اليوم، أو مشروع التحلية البحرية، المؤمل انشاؤه على البحر، وكذلك قضية السد على شط العرب، التي تطرح للتداول كلما اندلع لسان الملح، ثم تختفي بتراجعه، الامر الذي ضاعف الأوهام وعزز يأس الناس برؤية مشروع واحد، يتحقق على ارض الواقع، حتى صار الحديث عن قضية الماء العذب في البصرة لا يختلف عن قضية الكهرباء في العراق، المعروفة بكونها كهروسياسية.
يوم 11 حزيران الجاري كان مشهد نفوق مئات الالاف من الاسماك في نهر العشار بسبب التلوث واحداً من الصور المألوفة في النهر، الذي ما زال يعمل كقناة للصرف الصحي في اكثر من منطقة سكنية، بسبب عدم وجود شبكات نظامية في المدينة، ولأنَّ البصرة بعامة تعاني من المشكلة هذه فقد تحولت ومع الزمن شبكة انهارها (الخندق والمعقل والعشار والخورة والسراجي وو) الى قنوات لتصريف المياه القذرة باتجاه شط العرب، ومع صعود مياه البحر الى الشط تكون القضية قد اتسعت بمخاطرها، حيث ستكون مياه البحر المالحة بعد اختلاطها بمياه الصرف مادة سامة، تهدد حياة الاحياء المائية، فضلا عن تهديدها لحياة السكان، ولأنَّ العديد من محطات التصفية ما زالت تستخدم مياه الشط، بتزويد شبكات الاسالة، فقد بات المواطن تحت مخاطر التسمم تلك، والاصابة بالامراض الجلدية.
ولا نقول جديداً بأنَّ الزائر السنوي القاتل هذا سيأتي على آمال السكان بانتعاش قطاع الزراعة، بما فيهاالحدائق المنزلية، التي تنفق عليها ملايين الدنانيرسنوياً، والتي تقوض أحلام العائلة في رؤية الاشجار التي غرسوها في الربيع الماضي قد أتت أكلها، إنما معاينتها وهي تذوي وتموت، ومع صعود المد الملحي وقلة اطلاقات دجلة والفرات ورداءة الخدمات الصحية ستكون البصرة مشروعاً حقيقياً لأصابة مواطنيها بمرض الكوليرا، الذي تزداد نسب الاصابة به في المحافظات الاخرى.