بابل/ جليل الغزي
تشتد وطأة شح المياه في بابل لتسبب مشاكل اجتماعية تتعلق بالاختلاف بين المناطق بشأن الحصص المائية وأخرى اقتصادية تتعلق بتلف المحاصيل الزراعية وهلاك المواشي في بعض المناطق وتحديدا التي تقع في أقصى جنوبي المحافظة.
وأثر شح المياه على أسعار الخضر المحلية إذ بعضها سجلت ارتفاعا في الأسعار قياسا بما كانت عليه في الأعوام الماضية بسبب تقليص المساحات المزروعة بهذه المحاصيل التي تتصدر المائدة العراقية.
هجرة جماعية
دفع الجفاف الذي تشهده ناحية الطليعة أقصى جنوبي الحلة غالبية العوائل للهجرة الى مناطق أخرى وتحديدا باتجاه محافظة الديوانية للبحث عن أماكن ملائمة لسكن تلك العوائل التي اعتادت ممارسة الزراعة وتربية الحيوانات.
ويقول المزارع جميل المرشدي لـ(المدى) ان "شح المياه أثر على مجمل المناطق في جنوبي المحافظة، وتسبب بتوقف الحياة في مناطقهم، وتحولت الأراضي الى صحراء بعد ان تعذر عليهم زراعتها الأمر الذي دفعهم الى البحث عن أماكن أخرى للسكن فيها".
ويؤكد ان "شح المياه لم يقتصر على الزراعة فقط، بل سجلت ناحية الطليعة والمناطق المجاورة لها شحا في مياه الشرب والاستخدام المنزلي، فاضطر الأهالي الى نقل المياه في الخزانات البلاستيكية من مناطق أخرى".
مشاكل اجتماعية
الخلافات بشأن الحصص المائية تصل ذروتها في بعض المناطق التي تقع على الجداول الفرعية بسبب كميات المياه القليلة التي تمر في تلك الجداول، والتي تسعى كل منطقة للاستفادة منها سواء في السقي أو ملء الأحواض التي تم حفرها في الأرض.
ويقول الشيخ وسام العيساوي إلى (المدى)، إن "المشاكل العشائرية بسبب شح المياه ازدادت في الآونة الأخيرة بين العشائر في بابل، وعمقت من حجم الخلاف بين أفراد المجتمع، خاصة وأن غالبية مناطق جنوبي بابل ذات طابع عشائري، وتعتبر ان التجاوز على الحصة المائية تجاوزا لا يمكن السكوت عليه إطلاقا".
ويضيف ان "غالبية العوائل تعتمد على الزراعة كمورد مالي لها، ولا يمكن ان تتهاون إزاء ما يعرض مزروعاتهم الى الهلاك، رغم قلة مساحتها"، لافتا الى ان "على الحكومة التحرك بشكل عاجل لتقليل أزمة المياه وتجنيب المجتمع بذلك المشاكل التي يمكن ان تأخذ طابعا مختلفاً إذا ما استمرت الأزمة المائية".
تظاهرات يومية
أزمة المياه الخانقة التي تشهدها المحافظة تتسبب بشكل يومي بتظاهرات في مختلف المناطق، ويتخللها قطع للطرق واعتصامات أمام المؤسسات الحكومية، ولم يقتصر التظاهر على المزارعين فقط، بل يشارك أصحاب المناطق السكنية ايضا.
ويؤكد مدير ناحية الطليعة فاضل الحسيني في حديث إلى (المدى)، ان "التظاهرات بشأن أزمة المياه لن تتوقف سواء في ناحية الطليعة، أو في مناطق أخرى بسبب سوء إدارة ملف المياه من قبل مديرية الموارد المائية"، مؤكدا ان "هناك محاباة من قبل موارد بابل باتجاه بقية المحافظات على حساب حصة المحافظة".
وأضاف ان "هناك تجاوزا على حصة المحافظة من قبل محافظة الديوانية إلا ان مديرية الموارد لا تحرك ساكناً بحجة ان التحكم بالحصص المائية من اختصاص الحكومة الاتحادية حصرا".
توقف 50% من مجمعات المياه
مديرية الماء لم تخفِ مشكلة المياه في المحافظة وتحديدا في المجمعات التي تقع على الجداول الفرعية التي تخضع لنظام المراشنة، إذ تصل مدة الانقطاع الى أكثر من أسبوعين في كثير من الأحيان.
ويقول مدير ماء بابل المهندس أحمد الحربي لـ(المدى) ان "شح المياه أثر على عمل مجمعات المياه في عموم المحافظة الا ان التأثير الأكبر على الأقضية والنواحي، إذ سجلت توقف 50% من مجموع مجمعات المياه بسبب عدم وجود المياه الكافية التي تؤمن تشغيل تلك المجمعات".
وأضاف ان "الكوادر الفنية في مديرية الماء تعمل على إيصال كميات المياه لتلك المجمعات باستخدام المضخات، وفي حال تعذر تشغيلها تحاول تأمين مياه الشرب من خلال السيارات الحوضية لإيصالها لسكنة المناطق التي تحتاجها".
وبين الحربي ان "عدد السيارات الحوضية في مديرية الماء قليلة، ولا تكفي لسد احتياجات جميع المناطق خاصة إذا ما تفاقمت الأزمة أكثر مما هي عليه الآن".
الموارد المائية تبرر
وفي ظل الأزمة التي تعيشها المحافظة جراء شح المياه وتوقف العديد من مجمعات مياه الشرب تبرر مديرية الموارد المائية تلك المشاكل بانخفاض مناسيب المياه في عموم البلاد.
ويؤكد مدير الموارد المائية في بابل فالح السعدي لـ(المدى) ان "بعض مجمعات الإسالة المنصوبة ضمن أعمدة الجداول في الأقضية والنواحي لم تحصل على موافقة الموارد المائية، وتم نصبها من قبل بعض المنظمات الدولية وفريق الإعمار الأمريكي أثناء فترة تواجده في بابل، وهذه خارج مسؤولية مديرية الموارد بشأن توفير المياه".
وأشار الى ان "الجداول تعمل وفق نظام المراشنة لعموم المحافظة، إذ تصل مدة القطع الى 12 يوماً تقابلها 6 أيام تشغيل وحسب الموقف المائي"، لافتا الى ان "أغلب مجمعات الإسالة تقع عند نهاية الجداول، وتعمل بطاقة إنتاجية تبدأ من 100 لتر و200 لتر ولغرض تأمين تشغيل المجمع يتطلب إطلاق 3000 لتر في الثانية في الجدول ولمسافات تصل الى 25 كم لغرض وصولها للمجمع وتشغيله بإنتاجية 100 لتر، وهذا أمر يتعذر تحقيقه في أغلب الأحيان بسبب انخفاض مناسيب المياه".
وتصل نسبة الإطلاقات المائية الى 90م3 في الثانية تشترك فيها بابل والديوانية والمثنى، وتصل حصة بابل الى 45% من هذه الإطلاقات وهو ما حددته اللجنة العليا لإدارة ملف المياه في مجلس الوزراء بينما كانت الحصة المائية لهذه المحافظات تصل الى 200م3 في الثانية.
مقاضاة المحافظ
وفي تطور لاحق، اوعنت وزارة الموارد المائية، باتخاذ إجراءات قانونية ضد محافظ بابل، بسبب تحريض المواطنين على التجاوز على الحصص المائية الخاصة بالمحافظات.
وذكرت الوزارة في بيان تلقته (المدى)، " محافظ بابل علي وعد علاوي قام في سابقة خطيرة بتحريض المواطنين بالتجاوز على الحصص المائية وحرمان محافظتي الديوانية والسماوة من ايصال حصتهم المائية ويهدد باعتقال موظفي وزارة الموارد المائية".
وأضاف البيان، أن "الوزارة "ستقوم باتخاذ الإجراءات القانونية بحقه، كون وزارة الموارد المائية هي الجهة القطاعية الوحيدة المسؤولة عن إدارة ملف المياه في البلاد ولا يحق لأية جهة أخرى التدخل بأعمالها".
وأشار، إلى أن "ذلك يؤدي إلى خلل وإرباك في توزيعات المياه وحسب ما نصت عليه المادة 3 من قانون الري رقم 83 لسنة 2017 (تتولى الوزارة أو الدائرة المختصة تعيين الحصص المائية والإشراف عليها وتلتزم الحكومات المحلية بعدم التدخل بعمل الوزارة)".
وكان مقطعاً فيديوياً قد انتشر يظهر فيه محافظ بابل، علي وعد علاوي، وهو يحرض المواطنين على التجاوز على الحصص المائية للمحافظات الاخرى.