طالب عبد العزيز
بعد الاخفاق الواضح والرفض المستمر والسخرية المرة التي يجابه بها الاسلام السياسي، في العراق والمنطقة واقع حالنا يسأل: ترى، ما الذي سيبقى منه في العقدين القادمين؟ وإلى متى ستظل أحزابه المسلحة ممسكة ببنادقها؟ فيما تشير معطيات العصر الى أنَّ منعطفاً كونياً سيعصف بما تبقى من أفكارهم وتصوراتهم عن الحياة والسياسة والاقتصاد التي اختبرت من قبلهم، واعترفوا بفشلها بالسنتهم.
في منطقتنا العربية والشرق اوسطية نظامان دينيان، اسلاميان، السعودية وإيران، تنبهت الادارة السعودية، وعلى يد ملكها محمد بن سلمان الى أنَّ رياح التغيير ستعصف، وأنَّ الدولة في الرياض آيلة الى السقوط، لا محالة، إن ظلت تشرك المشايخ في مكة والمدينة بعملها وضمان بقائها، فكانت واقعة الفورسيزن حداَ فاصلاً بين مرحلتين(السقوط والبقاء) ومن يزر المملكة اليوم سيجد دولة مختلفة جداً، فلا سلطة هناك إلا سلطة الدولة الرسمية، التي تعتمد القوانين المدنية في مؤسساتها، أما اعضاء هيئة الامر بالمعروف فقد تم التخلص منهم بالقوة، فأودع السجن من أودع، وتخلى عن لحيته وعصاه بالقوة من تخلى، وانتهى الامر.
لكنَّ السؤال الاهم هو هل ستبقى إيران (الاسلامية) كما هي؟ ممسكة بأغلفة الكتب السماوية دون مضمونها، وترفع المصحف ومفاتيح الجنان والصحيفة السجادية بوجه كلِّ تظاهرة ضدها، مدعية بأنها وكيلة الله في أرضه، وبانتظار إقامة دولة أهل البيت الموعودة، مع يقينها وشعبها بأنَّ هذه الخدعة لم تعد تنطلي على أحد، وأنَّ الشعب محكوم بالقوة لا بقوة الفكر، وأنَّ فسحة الحريات التي تمنح له لن تكون كافية، في ظل المتغيرات الكونية، وأنَّ برنامجها في التوسعة على حساب شعوب المنطقة لا بد من نهاية له، وهي مطالبة بكف يدها عن العراق وسوريا ولبنان والبحرين واليمن، وأن عملاءها يخسرون مواقعهم يوما اثر آخر.
معلوم أن السعودية لم تجن من تدخلها في لبنان والعراق وسوريا واليمن خلال عقد ونصف إلا تشويهاً مضاعفاً لصورتها المعروفة بدعم الارهاب، لكنَّ انتباهتها المتأخرة لذلك كانت نقلة نوعية في المنطقة، فقد رفعت يدها عن لبنان بالانتخابات الاخيرة، بعد أن رفعت يدها عن مصر والعراق وسوريا، وها هي تسارع في انهاء الحرب باليمن، ولم تكن لتقوم بهذه لولا تخليها عن فكرة دعم الجماعات الاسلامية، وترك الدول تقرر مصيرها بنفسها، وثبات بطلان قيام الدولة الاسلامية، الامر الذي لا تريد أن تتنبه له إيران، التي مازالت تخدع الشيعة بقيام دولتهم الشيعية، وتصر على نقل مشاكلها الداخلية خارج حدودها، والذي ألحق بشعبها أفدح الضرر، فزائر ايران اليوم يجد شعباً ناقماً، منقوصاً في حقه بحياته، متروكاً لمصيره، يعاني من فتك المخدرات، وتهالك المدن، وغليان قومياته في الجنوب والغرب.
ذريعة إقامة دولة ولاية الفقيه، المُستَثمرة سياسيا من قبل الفصائل الاسلامية المسلحة في العراق مرهونة بالوجود الايراني نفسه، وبعدد البنادق والمسيرات، لكنها وبعملها المحموم على اضعاف الدولة تخسر المزيد من جمهورها العراقي، فالشعوب قبل الدكتاتوريات شيء وبعدها شيء آخر، ومع أنَّ شعبنا بطيئ في استجابته للإفاقة من البنج العام، الذي تخدر به طوال العقدين الماضيين إلا أنَّ ذلك لن يستمر طويلاً، وما اخفاق الاطراف الدينية الشيعية تحديداً في الاتفاق على تشكيل الحكومة إلا صورة جلية عن فشل المشروع الاسلامي برمته.
نعم، ما أقرب الباب وما أقرب الطريق، لكنا، سنصل، أكنا عائدين من مدينة بعيدة أو من السوق القريب، وإذا كان اليقين أسهل الطرق فقد انتهت عقلية القرون الوسطى، فالفكر والعلم الحديث آفة كبيرة، قادرة على ابتلاع طفيليات الجهل، وعاصفة العلوم قمينة بانتزاع العقل من دائرة اليقين البليد ذاك، ومهما طال الزمان أو قصر، فأن إطالة التخدير بالتخدير يولد المناعة منه.