ميادة سفر
درجت في فترة سابقة أن يقوم أحدهم بكتابة رواية أو مجموعة شعرية لأحد المسؤولين في الدولة، رغبة من هذا الأخير الظهور بمظهر المثقف أمام الجمهور،
وكأن الثقافة تحولت إلى «برستيج» مثلها مثل ربطة العنق أو القبعة أو حتى الحقيبة التي يحملها مرافقه، غير أن الزمن سرعان ما سيكشف زيف أولئك من مدّعي الثقافة، ويُجلي الغشاوة عما أسموه «إبداع».
إنّ ما كان يجري في الماضي وربما ما زال يحدث حتى اليوم، يدعونا إلى التفكير والبحث عن مقومات الكاتب وأدواته، والتساؤل: هل يمكن لأي إنسان أن يصبح كاتباً متى شاء أم أن الأمر عصي على من لا يملك تلك الملكة التي تبدو للوهلة الأولى «إلهية»، فالكتابة موهبة في الأصل لكنها ستوأد إن لم تتغذًّ وتنمى بالمواد والمقومات التي تنهض بها، تحتاج الكتابة إلى كم كبير من المعلومات ومخزون هائل من المعرفة الذي لا يمكن خلقه عبثاً بل من خلال معارف وصفحات كثيرة من الكتب والتهام مئات بل آلاف الكتب الغنية بالفكر والمعرفة.
كثيرون قدموا نصائح للكتاب المبتدئين الذين أرادوا خوض غمار الكتابة والدخول في عالم الإبداع، ويبدو أن أغلبهم ركز على شرط أساسي ألا وهو القراءة والشغف بالكتاب، إذ من خلالهما يمكن للكاتب إغناء مخطوطته بالمفردات والمصطلحات المتنوعة، وإيراد المعلومات الصحيحة التي ربما أضطر إلى الاستعانة بها، كما تسعفه الكتب وتساعده في قراءة التاريخ بشكل أفضل والتأسيس للحاضر وبناء المستقبل، دون أن يدع مجالاً للآخرين ليقدموا له وجبات الفكر الجاهز التي يريدونها، وتخدم مصالحهم.
هاهو الكاتب الأمريكي سيتفن كنج يقول: « إذا كنت تريد أن تكون كاتباً، فيجب أن تفعل شيئين قبل كل شيء آخر، اقرأ كثيراً واكتب كثيراً، لا يوجد طريق مختصر، إما لم يكن لديك الوقت للقراءة فلن يكون لديك الوقت أو الأدوات للكتابة». هي نصيحة تختصر كل ما يمكن أن يقال في هذا المجال.
يصدمنا اليوم ما يتردد على لسان البعض ممن يعتبرون أنفسهم كتاباً، أنهم لم يقرؤوا سوى بضعة كتب، أو أنّ أحدهم يمكن أن يكتب عشرات الكتب دون قراءة كتاب واحد، لاشكّ أن هذا ضرب من الخيال وربما الجنون، وهو استخفاف بالقارئ الذي أصبح من فرط التهامه للكتب قادراً على التقاط أصغر الأخطاء التي يمكن أن ترتكب من قبل الكُتاب.
من جانب آخر أليست اللغة متطورة؟ تلغى كلمات وتضاف أخرى بحيث تواكب التطور المتلاحق في هذا العصر، فكيف للكاتب أن يدرك كل تلك التحولات دون القراءة، وكيف للروائي أن يصف الأماكن التي تجري فيها أحداث روايته إن لم يزرها أو يقرأ عنها، من هنا وهناك تبدو أهمية القراءة والثقافة العامة للكاتب ولكل من يرغب الدخول في هذا الجو الإبداعي.
«كل كاتب قارئ ولا يعكس» هي ليست نظرية جديدة نسعى لإثباتها وتأكيد صحتها، بل هي واقع حال لا يحتاج إلى أدلة وبراهين، فكم من كتاب بدأت بقراءته ولم تتمكن من إكماله بسبب ركاكته وابتذال كلماته وأخطائه اللغوية، فليكن شعار كل كاتب كتاب يستعين به وأفكار تجدد عقله.