حيدر المحسن
من بين مئة رواية، اختارت صحيفة التيليغراف جملة الاستهلال في رواية جين أوستن “كبرياء وهوى” في المرتبة الأولى: “إنها حقيقة مُعترَف بها عالميا، الأعزب الذي يمتلك ثروة جيّدة لابدّ أن يكون في حاجة إلى زوجة”. وجاءت افتتاحية تولستوي الشهيرة في رواية “آنّا كارنينا” في المرتبة الثانية: “جميع العائلات السعيدة متشابهة، بينما كل عائلة تعيسة هي تعيسة بطريقتها الخاصة”.
كان صديقي (ك. أ) يمتلك، رغم ضآلته، منظرا يسرّ كل فتاة، ومع هذا ظلّ محتفظا بعذريّته بعد أن تخطّى الخمسين. إن الخجل الذي يسكنه يملأ قارة بحجم آسيا، ودلّه خفر الفتيات هذا في أحد الأيام على أن ينشر إعلانا على صفحته في الفيسبوك شرح فيه تعطّشه إلى الزواج من امرأة مناسبة، وكي نأخذ فكرة عن مصير صفحة الصديق في الحاسوب بعد نشرهِ إعلانَه، أروي لكم قصّة قرأتها في الماضي ولا أتذكر اسم كاتبها. أعلن مواطن إنكليزيّ في الصحيفة اليومية عن حاجته إلى امرأة يتخذها زوجة، وذكر في الإعلان أنه يبلغ الخمسين، وأعزب، ولا يريد شيئا من شريكة حياته غير أن يعيشا معا حياة دافئة هادئة هانئة، امرأة يتحاور مع مشاعرها كي تظلّل السّعادة حياتهما العائلية، وترك الرجل عنوانه في الختام. لم تتّسع حقيبة ساعي البريد لنقل الرسائل التي حملت عنوان شقّة الرجل، وكانت تقع في الطابق العاشر، فاستبدل الحقيبة بكيس كبير الحجم، وامتلأت الصالة وغرفة المعيشة بأكثر من دزينة من هذه الأكياس، واستغرق الساعي مدة أسبوع كي ينتهي من حملها. أيّ مشقّة عظيمة تحمّلها العامل البائس بسبب هذا الإعلان الغريب، ولم يذكر القاصّ لنا إن كان المصعد في البناية صالحا، أم أنه تعطّل في ذلك الوقت، كي يمعن القدر في تعذيب السيد ساعي البريد. لا أتذكّر نهاية القصة، لكني لم أنسَ مشهد تلال الرسائل في نواحي البيت، والرجل مستغرق في قراءتها بعناية، لأن الأمر يتعلّق بمستقبل أسرة كاملة وليس بفردٍ واحدٍ فيها. ربما كان صديقي (ك.أ) يؤمن بمبدإ جبران خليل جبران في كتابه (النبيّ) وهو أن “الحب الحقيقي هو من يجدنا ولسنا من نجده”. ولي أن أتساءل عن المدة التي قضّاها وهو يفتش حاسوبه عن النساء اللاّتي تقدّمن إليه، والذي يعادل محتواه حِمل سعاة البريد في العالم أجمع؟!
يُعطي الروائي «سومرست موم» عملية الزواج تعريفا غريبا، فهو “تجربة دخول في نوع من التّجربة”، وبما أن كلّ فعل حياتيّ يُعدّ مغامرة حقيقيّة، فنسبة وقوع الخطر تكون مضاعفة إلى أكثر من درجتين أو ثلاثة عندما يتعلّق الأمر بتقريب -واختار هنا التعبير العاميّ للزواج عندنا- رأسين من بعضهما البعض. يصف عبد الحق فاضل في إحدى قصصه رجلا بأن زرّ ثوبه كان يُفقد في بعض الأيام قبل زواجه، أما بعد ذلك فإن مكان الزّرّ تمزّق عند جهتيه من الثوب.
تشيخوف، على الأغلب، هو القائل إن في حياة الرجل ثلاث نساء، واحدة يحبّها، وأخرى تحبّه، وامرأة يتزوّجها. أعرف رجلا تخلّى عن شريكة حياته في منتصف الطريق، أو هي التي تعبتْ من طول المسافة، وشرح الرجل لي حاله الجديد بين أهله، فهم يريدون ربطه بنير امرأة جديدة بأيّ ثمن، فأمرُ بقاء رجلٍ دون زوجة في المجتمع يشابه تركَه في الصّحراء بلا مأوى ولا زاد، لكنه تمكّن أخيرا من الإفلات من المصير المرسوم عندما قرأ رواية “لا تزال الشّمس تشرق» لإرنست هيمنغواي، وفيها ذِكرٌ للثّور الذي يبقى حيّا بعد المصارعة، يُساق إلى المسلخ ولا يُسمح له بالمشاركة في جولة ثانية، والسبب يعود إلى أن الحيوان تعلّم خارطة اللّعبة، وتبلغ نسبة انتصاره على مُصارعه مئة بالمئة. بفضل هذه الرواية صار الرجل يقول لمن يطلب منه الزواج: أنا الثّور البريّ الذي بقيَ حيّا رغم هول الصّراع، وسوف أخرج من كلّ نزال وعلى قرني قطعة من كبد غريمي...