جاسم العايفجاءت ثورة 14 تموز 1958 الوطنية الديمقراطية بعد نضال مرير حافل بالتضحيات الجسيمة التي قدمها الشعب العراقي , وقواه الوطنية ضد محاولات السيطرة الكولونيالية التي رعت تأسيس المملكة العراقية أبان نشوئها، مُحكمة الطوق على العراق المعروف بغنى ثرواته ، التي تم وضع الخرائط لها من قبل المستكشفين الأوائل، رسل المملكة المتحدة،والذين وضعوا البرامج لإحكام السيطرة على العراق،
لما له من موقع ستراتيجي مهم، ولقد قاومت الروح العراقية المتمردة كل المخططات الاستعمارية لإلحاق العراق كمحمية بريطانية من خلال التبعية بالإمبريالية في تطلعها وشراستها للتحكم بالعالم و بالمنطقة العربية، وقادت القوى الوطنية العراقية صراعاً متواصلاً ضد الارتباط بالأحلاف العسكرية العدوانية التي كانت تطبق على العراق كما قاومت الحكام الذين مهدوا لتلك الأحلاف عبر ديمومة الحكم الإقطاعي واستبداده وتعسفه السياسي المتواصل.لقد احتدمت الصراعات الجماهيرية الاجتماعية- السياسية من اجل انبثاق الوطن العراقي عبر نضاله الوطني الديمقراطي ولم تعرف الساحة العراقية الوثابة هوية غير الهوية الوطنية وروح المواطنة العراقية نبراساً في كل الوثبات والانتفاضات والاحتجاجات المدوية التي كانت تضع المواطنة العراقية كتحصيل حاصل في طريق النضال الشعبي- الوطني الديمقراطي من اجل كنس الاستعمار البريطاني وممثليه الذين تعاقبوا على حكم العراق بالحديد والنار وإنزال أقسى العقوبات بقادة الروح الوطنية العراقية بالسجن والنفي والتشريد والإعدام، ولم يكن العراق وروح شعبه الوطنية الوثابة غائبا عن كل التاريخ العراقي منذ نشوء المملكة العراقية ، ولم يهادن الوطنيون العراقيون وأحزابهم وكل شرائحهم ومكوناتهم الاجتماعية ، الممتدة على خارطة العراق، الحكم الاستبدادي الإقطاعي رغم موجات التعسف والإرهاب المتعاقبة وبقي العراقيون يطاولون الحكم الملكي وممثليه من الإقطاعيين والرجعيين من اجل لحظة التغيير الحاسمة تجسيدا للصراع الاجتماعي-السياسي المتواصل ، الذي شهد صعوداً ونزولاً وتراجعاً وتقدماً حتى اكتسحت الجماهير العراقية مواقع الإقطاع والتبعية والرجعية في لحظة باهرة تميزت بجرأة الفصائل الوطنية العسكرية المرتبطة بالشعب العراقي وقواه الوطنية- التقدمية فأجهزت على الحكم الملكي في صبيحة 14 تموز 1958 بإسناد شعبي منذ اللحظات الأولى لذلك الفجر الباهر في تاريخنا المعاصر. وامتد ضوء 14 تموز ليضيء الطريق لملايين العراقيين من الشغيلة والفلاحين والنساء والمثقفين والشباب الذين اندفعوا لصناعة تأريخهم و لتأسيس منظماتهم المهنية على طريق إرساء المجتمع المدني وتقاليده التقدمية وقيمه التنويرية حيث كانت الأحداث الكبرى العاصفة التي أسس لها فجر 14 تموز 1958 نتيجة حتمية فرضتها المستجدات والضرورات الموضوعية والتاريخية لارتقاء الشعب العراقي سلم التطور السياسي- الاجتماعي . لقد دشنت ثورة 14 تموز مرحلة إنجاز مهمات الثورة الوطنية الديموقراطية من خلال تعزيز الاستقلال السياسي والتطور الاقتصادي وإشاعة الحريات الديمقراطية ورفع المستوى الاجتماعي للعراقيين وخاصة للشرائح الهامشية والمضي في طريق التحولات الاجتماعية النوعية في المدن والأرياف اعتمادا على الوعي الوطني الذي تميزت به جماهير العراق وأحزابه و نخبه السياسية-الثقافية ، وعلى اللحظات الثورية المتنامية للمزاج الجماهيري الجارف في مرحلتها الأولى ، حيث قامت ثورة 14 تموز بإجراءات حاسمة سريعة لتقويض مواقع الاستعمار الاقتصادية - السياسية وفي مقدمتها الانسحاب من حلف بغداد وإلغاء معاهدة 1930 العبودية الجائرة ، وكان ذلك دعماً لحركة التحرر الوطني العربية وهي تخوض أشرس معاركها التحررية ، و خطوات أخر منها تحرير العملة العراقية من قيود منطقة الإسترليني، وسن قانون /80/ الذي أعاد للشعب العراقي / 99% / من الأراضي العراقية ذات الخزين النفطي الهائل ، وتجريد شركات النهب الاستعماري النفطي من قدراتها في إلحاق الأذى بالعراقيين عبر عرقنة الإدارات في تلك الشركات،و اعتماد سياسية خارجية منحازة لقوى التقدم والنضال التحرري في العالم ، كما عملت ثورة 14 تموز على إحداث تغييرات وتبدلات جوهرية في هيكلية الواقع الاجتماعي من خلال إصدار قانون العمل والضمان الاجتماعي لصالح الطبقة العاملة العراقية ، وقانون الإصلاح الزراعي الذي فتت البنية الإقطاعية من خلال تحديد الملكية وتوزيع الأراضي على الفلاحين ، والسماح بإنشاء جمعيات تعاونية فلاحيه لكسر الهيمنة الإقطاعية في الريف،كما ساهمت النخب الثقافية العراقية في الحراك الاجتماعي الذي تفجر بعد الثورة من خلال المنظمات الثقافية- المهنية التي أسست بعيدا عن تحكم السلطة أو إغراءاتها . وعمدت الثورة إلى إحداث تطورات بنيوية مهمة في المجتمع العراقي من خلال سن قانون جديد ومتقدم للأحوال الشخصية الذي واجه ، ولا زال يواجه حتى الآن ، معارضة شرسة من قبل القوى النكوصية ، والاعتراف بالحقوق القومية للشعب الكردي دستوريا وفعليا، وفسحت المجال للتنظيم النقابي والمهني والحزبي ، وبدأت في خلق أسس التقدم الاجتماعي من خلال التخطيط العمراني والصناعي الذي اعتمدته الثورة في سنتها
أضـواء 14 تمـوز 1958 وآثـام الماضـي
نشر في: 9 يوليو, 2010: 04:09 م