صلاح حسنأمسترداملم يكن ضحية كما كان يقول دائما ولم يطلب اللجوء السياسي في هولندا لكي لا يحرج الحكومة الهولندية أمام مصر فكان مصدر امتنان للمؤسسات السياسية . لقد دعي لكي يكون استاذا مشاركا في جامعة لايدن الشهيرة من اجل الإشراف على طلبة الدكتوراه في الجامعة في قسم الدراسات الإسلامية .
أول محاضرة قدمها في الأراضي المنخفضة بدأها بالبسملة والشهادة لكي يقول للحاضرين الذين احتشدوا في القاعة انه لم يكن كافرا ولم يكن ضد الدين ، بل جاء لكي يحرر هذا الدين من قيود فرضها عليه رجال من قرون ماضية كما في رسالته لنيل كرسي الاستاذية عن الإمام الشافعي الذي أغلق واحدا من أهم واخطر أبواب الإسلام وهو الاجتهاد .خلال فترة قصيرة من وجوده في هولندا كرمته المؤسسات العلمية هناك بأن منحته كرسي ابن رشد الذي استحدث من اجله وباسمه العربي في جامعة اوترخت . أتاح له وجوده في هدا المكان فرصة كبيرة للاطلاع على الإسلام غير العربي خصوصا في تركيا وإيران واندينوسيا من خلال الاساتدة والطلبة القادمين للدراسة في هولندا ، هو الذي كان مشغولا بأسئلة الشارع المصري والعربي . لقد كان وجوده في هولندا وجودا مكانيا كما كان يصرح في اللقاءات التي كانت تجمعه بالمثقفين العرب لان اهتمامه بالجمهور العربي والإسلامي والثقافة العربية لم ينقطع أبدا . في أجواء الثقافة الهولندية والأوربية بشكل عام ، تلك الثقافة التي تحررت من الكثير من الحواجز في تعاملها مع نصها الديني أصبح عمله أكثر جرأة وانفتاحا من خلال الأسئلة التي كانت تثيرها بحوثه عند الاساتدة والطلبة على حد سواء ، ما دعا بعض الجامعات الأوربية إلى استضافته لتقديم محاضرات تتعلق بالشريعة والإسلام المعاصر وحقوق المرأة في الإسلام .في كل محاضرة كان يقدمها أبو زيد وفي أي مكان في هولندا وسواء كان دلك في الجامعات أو في المنتديات كان الحضور يأتون من كل مكان من اجل الاستماع له ، وغالبا ما يكون الحضور من الوزراء والسفراء والمستعربين والمهتمين بالثقافة العربية والإسلامية . وغالبا ما كان هدا الجمهور يتمنى لو إن المحاضرة تستمر لساعة أخرى بسبب كثرة الأسئلة التي تثيرها محاضراته الجديدة والمؤثرة للغاية ، خصوصا للجمهور الهولندي المتعطش لمعرفة واقع الإسلام في اللحظة الراهنة .لم يكن الجمهور الهولندي والأوربي وحده من يحرص على حضور محاضرات نصر حامد أبو زيد ، بل الجمهور العربي والجاليات المسلمة وغير المسلمة من الطوائف الصغيرة الموجودة في هولندا . وغالبا ما كان يسأل عن موقف الإسلام من هده الطوائف التي كانت موجودة قبل الإسلام ، وأطرف ما حدث انه دعي ذات يوم من قبل الجالية المندائية العراقية لحضور عملية التعميد بالماء في احد المسابح في مدينة لاهاي من اجل معرفة أصول هده الجالية التي انبثقت عن الثقافة السومرية قبل أكثر من ثلاثة ألاف سنة في جنوب العراق . من الطريف أيضا أن يعرف القارئ إن الأغلبية الغالبة من جمهور البروفسور أبو زيد كان من النساء العربيات والمسلمات والهولنديات ، حيث كن يثرن أسئلة محيرة وغامضة ولكنه بحنكته وعمق معرفته كان يقدم أجوبة مثيرة وبارعة إلى درجة الإعجاب وكان ينال عن دلك تصفيق هدا الجمهور الذي غالبا ما يطلب المزيد من هدا المفكر المثير للجدل في كل مكان يكون فيه . كان المفكر أبو زيد يستخدم في ترتيب محاضرته شاشة صغيرة ويعرض عليها أفكاره بشكل مختصر أولا باللغتين العربية والانكليزية مقرونة بآيات من القرآن الكريم لكي يتيح للحاضرين فرصة استيعاب أفكاره التي يتوسع فيها بين فترة وأخرى حين تستدعي الضرورة ، ما يجعلها سلسة ومتصلة مثل سلسلة متكاملة . قبل سنوات قليلة ومن اجل تبسيط رؤية الأديان بشكل عام والإسلام بشكل خاص للجمهور اقترح الكاتب المصري المعروف رؤوف مسعد المقيم في أمستردام على المفكر أبو زيد فكرة كتاب يتألف من أسئلة مشككة يقوم أبو زيد بوصفه مفكرا إسلاميا وأكاديميا بالرد عليها . وقد ظهر الكتاب تحت عنوان " الإسلام لابني " ونشر في المغرب .هولندا تنعى المفكرونشرت الصحف الهولندية نبأ رحيل المفكر نصر حامد أبو زيد ونعتته بالمفكر التنويري الجريء الذي سيترك فراغا كبيرا على الساحة الفكرية الهولندية والعربية . وقالت صحيفة " دي فولكس كرانت " كان وجود هدا الرجل في هولندا مصدرا مهما للتعريف بالإسلام والثقافة الإسلامية التي كنا نمتلك عنها أفكارا مبسطة . يذكر إن الكثير من طلبة الدراسات الإسلامية ومن مختلف البلدان العربية والإسلامية كانوا تخرجوا على يد البروفسور نصر حامد أبو زيد خلال عمله في جامعتي لايدن واترخت خلال السنوات الخمس عشرة التي قضاها في هولندا.
نصر حامد أبو زيد فـي هولندا
نشر في: 9 يوليو, 2010: 05:01 م