ثائر صالح
تعود جذور أداة الترومبَت المعاصرة العصور القديمة. فقد عثر على مثيلاتها في مقبرة توت عنخ آمون، وعرفت على نطاق واسع في كل الحضارات القديمة تقريباً،
وكانت تصنع من البرونز أو الفضة أو مواد صلبة اخرى. وتسمية الترومبَت حديثة، تعود إلى أواخر العصر الوسيط وبدايات النهضة، من الإيطالية ثم الفرنسية. وفي الإيطالية هي تصغير ترومبا، ونعرف أداة أخرى هي الترومبون مشتقة من نفس الكلمة التي وصلت العراق وبعض الدول العربية على شكل طرمبة، وهي الأنبوب. فهاتين الأداتين، الترومبَت والترومبا، هما عبارة عن أنابيب ملتوية لا غير، أي طرمبات، وهذا يعني أنهما يمتلكان سلماً طبيعياً محدداً بالنغمة الأساسية والنغمات التوافقية التي تبنى عليها، أي أنهما مقيدتان بهذا السلم الذي يؤدى بمساعدة ثلاثة ثقوب. هذا ما دفع صانعي الأدوات الموسيقية إلى تصميم عدة أدوات بنغمات أساسية مختلفة لتغطية أكبر عدد ممكن من درجات السلم الموسيقي الأوروبي، لهذا نجد أنواعا من الترومبَت على درجات سي بيمول وهو أكثرها انتشاراً، ومي بيمول ودو. لكن مع اختراع تقنية المكابس لأداة الهورن في القرن التاسع عشر، التي أدخلت على الأدوات النحاسية لاحقاً، أصبح من الممكن تأدية كل درجات السلم الكروماتي بسهولة.
صوت الترومبَت حاد ونفاذ، ومداها الصوتي يعادل صوت السوبرانو النسائي. استعملت في مختلف التشكيلات بضمنها موسيقى الجيش (العثماني مثلاً، فقد استعملت في فرق المهتر أداة تسمى بورو، وهي كلمة قريبة من البوري، أي الطرمبة) . وارتبطت في أوروبا بمشاعر الفرح والانتصار في الموسيقى الدينية والدنيوية على حد سواء. وأخذت أهمية كبيرة في تشكيلات فرق الجاز، لأنها تتميز بالمرونة مما يلائم أسلوب الجاز الارتجالي، وكان أبرز كبار موسيقيي هذا الفن من عازفي الترومبَت مثل لويس أرمسترونغ ومايلز ديفيز.
أما في الموسيقى الكلاسيكية فقد وظفها مونتفردي (1567 - 1643) ببراعة في أعماله، بالخصوص في تلك التي تلاعب فيها بالبعد المكاني عند استعمال ما يسمى بالصدى. عصر الباروك هو عصر الترومبَت بامتياز، فاستعمله المؤلفون في أعمالهم بكثرة وكانت له أهمية كبيرة عند باخ في أعماله الدينية (الكانتاتات وأعمال الباسيون) ، وبرع تلمان (1681 - 1767) في تأليف كونشرتات الترومبَت ولديه عدد منها. أصبحت الأداة من الأدوات الثابتة في الأوركسترا منذ عهد هايدن، ونعلم أن الفرقة السيمفونية أخذت أولى أشكالها الثابتة في العصر الكلاسيكي وتوسعت بأدوات جديدة وتطورت حتى الفترة الرومانتيكية المتأخرة، بعدما كانت الفرق الموسيقية في عصر الباروك وما قبله تشكيلات اعتباطية حسب حاجة المؤلف وحسب المهارات الموسيقية المتوفرة محلياً.
أهم العازفين المعاصرين على الإطلاق هو الفرنسي المبدع الراحل موريس آندريه (1933 - 2012) ، أما الأحياء منهم فهم اليوم الإنكليزية البارعة أليسون بالسوم (1978) والأمريكي المبدع المتوزع بين الجاز والكلاسيك وينستون مارساليس (1961) والسويدي من مالمو هوكان هاردنبرغر (1961) .